كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 1)

فيكم فاستوى المسلمون على خيولهم وركبت معهم وطلبناها حتى وقعت بها وتصيدت منها بعيرا عظيما فقتلته فجعل المسلمون يقتلون ويتصيدون فما بقي منها إلا اليسير فبينما أنا فرح وأنا أريد الرجوع بالمسلمين إلى وطنهم إذ عثرت فرسي فطارت عمامتي من على رأسي فهويت لاخذها فانتبهت من منامي وأنا فزع مرعوب فهل فيكمأحد يفسره فاني اقول الرؤيا ما نحن فيه قال فصعب ذلك على القوم وجعل خالد يراود نفسه على الرجوع.
فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أما تفسير الوحوش فهؤلاء الأعاجم الذين نحن في طلبهم وأما سقوطك عن فرسك فإنه أمر تنحط عليه من رفعه إلى خفضة واما سقوط العمامة عن رأسك فالعمائم تيجان العرب وهي معرة تلحقك فقال خالد: اسأل الله العظيم أن كان ذلك تأويل ما رأيته أن يجعله من أمر الدنيا ولا يجعله من أمر الاخرة وبالله استعين وعليه أتوكل في كل الأمور قال ثم سار خالد والدليل امامهم حتى قطعوا الجبل فلما كانت الليلة التي أردنا أن نصبح فيها القوم أتى مطر كافواه القرب وكان من توفيق الله عز وعلا أن حبس القوم عن المسير قال روح بن طريف رضي الله عنه ولقد رايتنا ونحن نسير والمطر ينزل علينا كافواه القرب طول ليلتنا فلما اصبح الصباح وطلعت الشمس قال يونس أيها الأمير قف حتى أنظر القوم لانهم لا شك بالقرب منا وقد سمعت صياحهم فقال له خالد بن الوليد: أحقا سمعت صياحهم يا يونس قال: نعم أيها الأمير واريد منك أن تاذن لي بالمسير إليهم وآتيك بخبرهم قال فعند ذلك التفت خالد بن الوليد إلى رجل اسمه المفرط بن جعدة قال له: يا مفرط سر مع يونس وكن له مؤنسا واحذر أن يأخذ خبركما القوم فقال المفرط السمع والطاعة لله ولك أيها الأمير ثم انطلقا إلى أن صعدا على جبل يقال له الأبرش: والروم تسمه جبل باردة قال المفرط فلما علونا عليه وجدنا مرجا واسعا كثير الجنبات كثير النبات وفيه خضرة عظيمة وأن القوم قد اصابهم المطر حتى بل رحالهم وقد حميت عليهم الشمس فخافوا اتلافها فاخرجوها واخرجوا الديباج ونشروها في طول المرج وقد نام أكثرهم من شدة السير والتعب والمطر الذي اصابهم قال المفرط بن جعدة فلما رأيت ذلك فرحت فرحا شديدا ورجعت إلى خالد بن الوليد وتركت صاحبي يونس فلما رآني خالد وحدي اسرع الي وظن أن صاحبي كيد فقال: ما وراءك يا ابن جعدة اخبرني وعجل بالخير فقلت: الخبر والغنيمة يا أمير القوم خلف هذا الجبل وقد اصابهم المطر وقد وجدوا الراحة بطلوع لشمس وقد نشروا امتعتهم فقال بشرك الله بالخير ثم ظهر لي من وجهه الخير والفرح والسرور فبينما نحن كذلك وإذا بيونس قد اقبل فقال له خالد: خيرا فقال له: ابشر أيها الأمير فإن القوم امنوا على أنفسهم ولكن اوصى أصحابك أن كل من وقع بزوجتي فليحفظها فما أريد من الغنيمة سواها فقال له خالد:

الصفحة 78