كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 1)

غضب لابن عمه ثم نزل على المنبر وأخذ الكتاب وجعله تحت رأسه وجعل يؤامر نفسه في عزل خالد فلما كان من الغد صلى صلاة الفجر وقام فرقى المنبر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فصلى عليه وترحم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم قال: أيها الناس إني حملت امانة عظيمة وإني راع وكل راع مسؤول عن رعيته وقد جئت لاصلاحكم والنظر في معايشكم وما يقربكم إلى ربكم أنتم ومن حضر في هذا البلد فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صبر على أذاها وشرها كنت له شفيعا يوم القيامة" وبلادكم بلاد لا زرع فيها ولا ضرع ولا ماء أوقر به الإبل لآمن مسيرة شهر وقد وعدنا الله مغانم كثيرة وإني أريدها للخاصة والعامة لأؤدي الأمانة والتوقير للمسلمين وما كرهت ولاية خالد على المسلمين إلا لأن خالدا فيه تبذير المال يعطي الشاعر إذا مدحه ويعطي للمجد والفارس بين يديه فوق ما يستحقه من حقه ولا يبقى لفقراء المسلمين ولا لضعافهم شيئا وإني أريد عزله وولاية أبي عبيدة مكانه والله يعلم إني ما وليته إلا أمينا فلا يقول: قائلكم عزل الرجل الشديد وولى الأمين اللين للمسلمين فإن الله معه يسدده ويعينه ثم نزل عن المنبر وأخذ جلد أدم منشور وكتب إلى أبي عبيدة كتابا فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح سلام عليك فاني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبعد فقد وليتك أمور المسلمين فلا تستحي فإن الله لا يستحي من الحق وإني أوصيك بتقوى الله الذي يبقي ويفني ما سواه والذي استخرجك من الكفر إلى الإيمان ومن الضلال إلى الهدى وقد استعملتك على جند ما هنالك مع خالد فاقبض جنده واعزله عن امارته ولا تنفذ المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة ولا تنفذ سرية إلى جمع كثير ولا تقل إني أرجو لكم النصر فإن النصر انما يكون مع اليقين والثقة بالله وإياك والتغرير بالقاء المسلمين إلى الهلكة وغض عن الدنيا عينيك واله عنها قلبك وإياك أن تهلك كما هلك من كان قبلك فقد رأيت مصارعهم وخبرت سرائرهم وإنما بينك وبين الآخرة ستر الخمار وقد تقدم فيها سلفك وأنت كأنك منتظر سفرا ورحيلا من دار قد مضت نضرتها وهبت زهرتها فأحزم الناس فيها الراحل منها إلى غيرها ويكون زاده التقوى وراع المسلمين ما استطعت وما الحنطة والشعير الذي وجدت بدمشق وكثرت في ذلك مشاجرتكم فهو للمسلمين وأما الذهب والفضة ففيهما الخمس والسهام وأما اختصامك أنت وخالد في الصلح او القتال فأنت الولي وصاحب الأمر وأن صلحك جرى على الحقيقة إنها للروم فسلم إليهم ذلك والسلام ورحمة الله وبركاته عليك وعلى جميع المسلمين.

الصفحة 87