كتاب وا محمداه إن شانئك هو الأبتر (اسم الجزء: 1)

{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فلا تصل إليها حقيقةٌ من الهدى ولا صدى، {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} فلا نورَ يُوصوِصُ لها ولا هدى .. نفوسٌ صَلْدة مظلمة جامدة.
هم الظلام كلُّ الظلام .. هم أصحابُ الظلمات، فكيف يُدرِكون نورَ سيِّد السادات - صلى الله عليه وسلم -؟!! هم المنغمسون في الكفر والشِّرك والجهل، أحاطت بهمُ الظلمات من كلِّ وجه، فهم بمنزلة الأنعام بل هم أضلُّ سبيلاً، فهم في ظلمات آرائهم يعمهون، وفي ضلالتهم يتهوَّكون، وفي رَيبهم يتردَّدون، مغترين بظاهر السَّراب، مُمحِلين مُجدِبين مما بعث اللهُ به رسولَه - صلى الله عليه وسلم - من الحكمة وفَصْل الخِطاب، إنْ عندهم إلاَّ نُخالةُ الأفكار وزُبالاتُ الأذهان التي قد رَضُوا بها واطمأنوا إليها، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56]، أوجبه لهم اتِّباعُ الهوى ونخوةُ الشيطان، وهم لأجله يُجادلون في آيات الله بغير سلطان.
أهلُ الظلمات المناوؤون لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وشانؤوه من المغضوب عليهم والضالين من اليهود النصارى، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118]، قولُهم ظُلْمة، وعَمَلُهم ظُلمة، ومُدخلُهم ظلمة، ومُخرَجُهم ظلمة، ومَصيرهم إلى الظُّلْمة، قلوبهم مُظلمة، وجوهُهم مُظلمة، كلامهم مُظْلِم، وحالُهم مُظلم، وإذا قابَلَتْ بصيرتُهم الخُفَّاشيةُ ما بعث اللهُ به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من النور جَدَّ في الهرب منه، وكاد نورُه يَخطِفُ بصره، هَرَب إلى ظلماتِ الشِّرك والجُحود والعِنادِ والاستهزاء التي هي به أنسبُ وأولى، كما قيل:
خفافيشُ أعشاها النهارُ بضَوئه ... ووافَقَها قِطعٌ من الليل مُظلِمُ

الصفحة 15