كتاب وا محمداه إن شانئك هو الأبتر (اسم الجزء: 1)

"المستظهري" تحت عنوان "الطرف الخامس في اعتقادهم في التكاليف الشرعية": "والمنقولُ عنهم الإباحةُ المطلقة، ورفعُ الحجاب، واستباحة المحظورات واستحلالُها وإنكارُ الشرائع، إلاَّ أنهم بأجمعِهم يُنكرون ذلك إذا نُسب إليهم، وإنما الذي يَصحُّ من معتقَدِهم فيه أنهم يقولون: لا بدَّ مِنَ الانقيادِ للشرع في تكاليفه -على التفصيل الذي يُفصِّلُه الإِمام-، من غير متابعةٍ للشافعيِّ وأبي حنيفة وغيرهما؛ وإن ذلك واجبٌ على الخَلق والمستجيبين إلى أن ينالوا رُتبةَ الكمال في العلوم، فإذا أحاطوا من جهةِ الإِمام بحقائقِ الأمور، واطَّلَعوا على بواطنِ هذا الظواهر، انحلَّت عنهم هذه القيودُ، وانحطَّت عنهم التكاليفُ العَمَلية، فإنَّ المقصودَ من أعمال الجوارح تنبيهُ القلبِ لينهضَ لطلب العلم، فإذا ناله استعدَّ للسعادة القُصوى، فيَسقطُ عنه تكليفُ الجوارح، وإنما تكليفُ الجوارح في حق مَن يَجري بجهلِه مَجرى الحُمُرِ التي لا يمكنُ رياضتُها إلاَّ بالأعمالِ الشاقَّة، وأمَّا الأذكياء والمدركون للحقائق فدرجتُهم أرفعُ من ذلك.
وهذا فنٌّ من الإِغواء، شديدٌ على الأذكياء، وغرضُهم هدمُ قوانين الشرع، ولكنْ يخادعون كلَّ ضعيفٍ بطريقٍ يُغويه ويليقُ به، وهذا من الإِضلال البارد، وهو في حُكم ضربِ المثال، كقول القائل في الاحتماء عن الأطعمة المُضِرَّة: "إنما يجبُ على مَن فسَد مزاجُه؛ فأمَّا مَنِ اكتَسَب اعتدالَ المِزاج , فليُواظب على أكل ما شاء أىَّ وقتٍ شاء"، فلا يلبث المُصغي إلى هذا الضلال أن يُمعن في المطعومات المضرَّة إلى أن تتداعى به إلى الهلاك" (¬1).
¬__________
(¬1) "فضائح الباطنية" لأبي حامد الغزالي (ص 46 - 47) - طبع مؤسسة دار الكتب الثقافية - الكويت.

الصفحة 445