كتاب وا محمداه إن شانئك هو الأبتر (اسم الجزء: 1)

موكبه، وأولاه عَطفَه ورعايته، ولَمَّا قتله أحدٌ من المسلمين السُّنة غَضِب الحاكمُ لذلك أيَّما غضب، وأَمر باعدامِ القاتل في الحال، وكَفَّنه الحاكمُ (¬1) بأكفانٍ من القصر، ودُفن في حَفلٍ رسمي، وحَمَل أهلُ السُّنة صاحبَهم، ودفنوه مكرَّمًا، وهرع الناس أيامًا لزيارة قبرِه، ولكنَّ القبرَ نُبش بعد أيامٍ واختفت جُثّته بأمرٍ من الحاكم (¬2).
وأما الدُّرزِيّ، فيَذكره أبو الحسن نقلاً عن الإمام الذهبيِّ أيضاً في "تاريخه": "إن رجلاً يُعرف بالدُّرزيِّ قَدِمَ مصرَ، وكان من الباطنية القائلين بالتناسخ، فاجتمع بالحاكم، وساعَدَه على ادعاءِ الربوبية، وصَنَّف له كتاباً ذَكَر فيه أن رُوحَ آدمَ - عليه السلام - انتَقلت إلى عليِّ بنِ أبي طالب، وأن رُوحَ عليٍّ انتقلت إلى أبي الحاكم، ثم انتَقلت إلى الحاكم، فنَفَق على الحاكم وقَرَّبه وفَوَّض الأمورَ إليه، وبَلغ منه أعلى المراتب، بحيث أن الوزراءَ والقُوَّادَ والعلماء كانوا يَقِفون على بابه، ولا يَنقضي لهم شُغلٌ إلاَّ على يَدِه، وكان قَصدُ الحاكم الانقيادَ إلى الدرزيِّ المذكور فيطيعونه، فأظهر الدرزيُّ الكتابَ الذي فعله وقرأه بجامع القاهرة، فثار الناسُ عليه وقَصدوا قَتْلَه، فهرب منهم، وأنكر الحاكمُ أمره خوفًا من الرعية، وبحث إليه في السرِّ مالاً، وقال: "اخرجْ إلى الشام وانشرِ الدعوةَ في الجبال، فإنَّ أهلَها سريعو الانقياد" .. فخرج إلى الشام، ونزل بِوادِي "تَيم الله بن ثعلبة"، غربيَّ دمشق من أعمال "بانياس"، فقرأ الكتابَ على أهله، واستمالهم إلى الحاكم
¬__________
(¬1) أي: كفَّن الأخرمَ.
(¬2) ملخص ما ذكر الذهبي في "مرآه الزمان" المجلد الحادي عشر (ج 3 ص 304) نقلاً عن "الحاكم بأمر الله" لمحمد عبد الله عنان (ص 199).

الصفحة 465