كتاب وا محمداه إن شانئك هو الأبتر (اسم الجزء: 1)

عمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - قال له: "هؤلاء قُتلوا في سبيل الله، فأجورُهم على الله"، يعني: هم شهداءُ، فلا دِيةَ لهم، فاتفقوا على قول عمر في ذلك.
وهذا الذي اتَّفق الصحابة عليه هو مذهبُ أئمةِ العلماء، والذي تنازعوا فيه تنازعَ فيه العلماء، فمذهب أكثرِهم أنَّ مَن قَتَله المرتدُّون المجتمعون المحارِبون لا يُضمَّن، كما اتفقوا عليه آخرًا، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ وأحمدَ في إحدى الروايتين، ومذهبُ الشافعيِّ وأحمدَ في الرواية الأخرى هو القولُ الأول.
فهذا الذي فَعله الصحابة بأولئك المرتدِّين بعد عَودهم إلى الإِسلام يُفْعل بمن أظهر الإِسلامَ والتُّهمة ظاهرةٌ فيه، فيمنع أن يكونَ من أهل الخيل والسلاح والدِّرع التي تلبسُها المقاتِلة، ولا يُترك في الجند مَن يكون يهوديًّا ولا نصرانيًّا. ويُلزمَون شرائعَ الإِسلام حتى يَظهرَ ما يفعلونه من خير أو شر، ومَن كان من أئمَّةِ ضلالهم وأظهر التوبةَ أُخرج عنهم، وسُيِّر إلى بلادٍ المسلمين التي ليس لهم فيها ظهور، فإما أن يَهديَه الله تعالى، وإما أن يموت على نِفاقه من غير مضرّةٍ للمسلمين.
ولا ريبَ أن جهادَ هؤلاء وإقامةَ الحدودِ عليهم من أعظم الطاعات وأكبرِ الواجبات، وهو أفضلُ من جهادِ مَن لا يُقاتِلُ المسلمين من المشركين وأهل الكتاب؛ فإن جهادَ هؤلاء من جنس جهادِ المرتدِّين، والصِّدِّيقُ وسائرُ الصحابة بدؤوا بجهاد المرتدين قبلَ جهادِ الكفار مِن أهل الكتاب؛ فإنَّ جهادَ هؤلاء حُفظ لما فتح من بلاد المسلمين، وأن يدخل فيه مَن أراد الخروج عنه، وجهاد مَن لم يقاتِلنْا من المشركين وأهل الكتاب من زيادةِ إظهارِ الدين ..
وحِفظُ رأسِ المال مقدمٌ على الربح.

الصفحة 497