كتاب البديع في علم العربية (اسم الجزء: 1)

[مقدمة المؤلف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله أهل الحمد والثّناء، ربّ الفضل والعطاء، الذى تنوّعت مواهبه أنواعا، وتقسّمت نعمه افتراقا واجتماعا، فمنح قوما الدنيا، وقوما الآخرة وجمع لآخرين ملابسهما الفاخرة، فمن أجلّ نعمه وأوفاها، وأفضل عطاياه وأبهاها، نعمة ازدان بها ربّها فى أولاه، وحصّل بها ما يحمد (¬1) عقباه، ولا سيّما نعمة كانت بالنّفوس مخصوصة، وعلى الانفراد بها منصوصة (¬2) وهى نعمة العلم التى تتقاصر عن إدراكها الهمم، وتسموا إلى اكتسابها الهمم،
ويتنافس فى تحصيلها أولو الفهم (¬3)، وتعلو باقتنائها مراتب القيم.
نحمده على ما أسبغ علينا من مدارعها (¬4) حمدا نستمرئ (¬5) به أخلاف (¬6) المزيد، ونثنى عليه بثناء يدنى لنا من خفيّاتها كلّ بعيد.
ونشهد أن لا إله إلا الله، شهادة تجعل ما عرفناه له خالصا، وإليه واصلا، وما جهلناه عندنا واضحا، ولدينا حاصلا.
ونشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، شهادة تؤنس لنا (¬7) وحشيّها، وتفيض
¬__________
(¬1) - أي يصيّرها محمودة، يقال: أحمد الرجل، إذ ارضى فعله ومذهبه، وأحمده: استبان أنّه مستحقّ للحمد، وأحمد الرجل: فعل ما يحمد عليه، وصار أمره إلى الحمد، ويقال أيضا:
أحمدته، أى: وجدته محمودا.
(¬2) - أى موقوفه معيّنة على الأنفراد بالنفوس. وفى اللسان: (نصص) والنصّ: التوقيف، والنصّ:
التعيين على شئ ما.
(¬3) - الفهم بالتحريك: لغة فى الفهم.
(¬4) - جمع مدرعة، ومدرع، وهما ضربان من الثياب، والضمير فى «مدارعها» يرجع إلى نعمة العلم.
(¬5) - أي: نستسهل، من قولهم: مرؤ الطّعام، إذا كان سهلا هنيئا.
(¬6) - جمع خلفه، وخلفة الشّجر: ثمر، يخرج بعد الثّمر الكثير.
(¬7) - أى تقرّب لنا بعيدها، قال الجوهرى فى الصحاح: (وحش) «... ووحشىّ القوس ظهرها وإنسيّها: ما أقبل عليك منها ...».

الصفحة 1