كتاب البديع في علم العربية (اسم الجزء: 1)

يريد: لتفد نفسك (¬1)، وكقول الآخر (¬2):
على مثل أصحاب البعوضة فأخمشي لك الويل حرّ الوجه أويبك من بكى يريد: ليبك (¬3)، وقيل: إنّ" الياء" حذفت لغير الجازم.
وأمّا" لا" النّهي: فهي نقيضة" لام" الأمر إلّا أنّها تكون للمخاطب والغائب سواء؛ [تقول] (¬4) لا تخرج، ولا يخرج زيد، ولا يجوز حذفها وهي مرادة.
وقد ورد النّفي والمراد به النّهي، كقوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ (¬5)
¬__________
(¬1) قال الأخفش:" يريد:" لتفد، وهذا قبيح"، وقال ابن جنّي:" .. فحذف اللّام، وهذا أقبح من الأوّل - يعنى بيت متمّم بن نويرة الآتي بعد -؛ لأنّ قبل ذاك شك فيه معنى اللّام، وهو" اخمشى"؛ لأنّ معناه: لتخمشي، وهذا ليس قبله شئ معناه معنى اللام .. ".
(¬2) هو متمّم بن نويرة.
والبيت من شواهد سيبويه 3/ 9، وانظر أيضا: معاني القرآن للأخفش 76 والمقتضب 2/ 132 والأصول 2/ 174 وسرّ الصّناعة 391 والإنصاف 532 والمغني 225 وشرح أبياته 4/ 339.
البعوضة: ماء لبني أسد بنجد، وفي هذا الموضع كان مقتل مالك بن نويرة أخي متمّم. اخمشى:
يقال: خمش وجهه: خدشه ولطمه وضربه وقطع عضوا منه، وهو من بابي: ضرب ونصر. حرّ الوجه: ما أقبل منه عليك.
(¬3) في أصول ابن السرّاج 2/ 175:" قال أبو العبّاس: ولا أرى ذا على ما قالوا؛ لأنّ عوامل الأفعال لا تضمر، وأضعفها الجازمة .. ولكنّ بيت متمّم يحمل على المعنى؛ لأنّه إذا قال:
فاخمشي، فهو في موضع: فلتخمشي، فعطف الثاني على المعنى".
وانظر قول ابن جنّي السّابق في سرّ الصناعة؛ فيبدو أنّه منقول عن الفارسيّ عن أبي العبّاس المبرّد، والله أعلم.
(¬4) تتمّة يلتئم بمثلها الكلام.
(¬5) 197 / البقرة. وانظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/ 270.

الصفحة 624