أحدهما قبيحّ وقلّ استعماله.
والثانى حسن، وكثر استعماله.
فمثال الأوّل نحو ما أنشده سيبويه (¬1):
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى … علىّ ذنبا كلّه لم أصنع
يريد: لم أصنعه، أجازه فى الشّعر، والمبرّد لا يجيزه (¬2) وينصب" كلّله" وعلى قول سيبويه حملت قراءة ابن عامر/ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى (¬3) أى:
وعده الله، وأجاز الزّجّاج أن يكون (¬4) " ماذا" من قوله تعالى: ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (¬5) مرفوعا، على تقدير: يستعجله، بحذف الهاء.
ومثال الثّانى قولهم:" السّمن منوان بدرهم" و" البرّ الكرّبستّين" (¬6)، فلا بدّ أن يقّدر فى الكلام محذوف؛ ليصحّ نظمه؛ لأنّ المنوين ليسا بجميع السّمن ولا السّمن جميعه بدرهم، وإنما المنوان بعض السّمن، فيحتاج أن يضمر فيه ما يدلّ على البعض وهو" من" فى أحد أقسامها؛ فيكون" السّمن" مبتدأ، والمنوان" مبتدأ ثان، و" منه"" صفة
له؛ ولهذا ابتدئ به وهو نكرة؛ حيث وصف وبدرهم" خبر المنوين، والعائد الهاء فى" منه" وكذلك المسألة الأخرى، لكنّها تفارق الأولى، بأن منه فيها حال؛ لأنّ الكرّ معرفة، وحرف الجرّ لا يكون صفة للمعرفة، فهو حال من المضمر فى الجار [والمجرور] (¬7)، والأولى أن يقدّر بعد قوله:" بستين" لأنّه العامل فيه، وعامل الحال، إذا كان
¬__________
(¬1) - الكتاب 1/ 85، 127، 137، 146. والشاهد لأبى النجم العجلى. ديوانه 134.
وانظر أيضا: الخصائص 1/ 292 و 3/ 61، وابن يعيش 2/ 30 و 6/ 90 والخزانة 1/ 359 و 3/ 20 والمغنى 201، 498، 611، 633 وشرح أبياته 7/ 280، 283.
(¬2) - لم أقف على كلام المبرّد فى منع الرفع فى المطبوع من كتبه، وفى الخزانة 1/ 360:" يروى برفع" كل" ونصبه، وكذلك رواهما سيبويه وقد أنكر عليه المبرّد رواية الرفع ... "
(¬3) - 10 / الحديد. انظر: السبعة لابن مجاهد، 625، والكشف عن وجوه القراءات السبع 2/ 307، والنشر 2/ 384، وإتحاف فضلاء البشرية 409.
(¬4) - معاني القرآن وإعرابه 1/ 150، 287، 288 و 3/ 24.
(¬5) - 50 / يونس.
(¬6) - الكرّ: ستون قفيزا، وهو مكيال أهل العراق.
(¬7) - تتمّة يلتئم وبها الكلام.