ومن شعره قوله في رسالة كتبها إلى معقل الأكابر جوابا لرسالة منه:
أتاني على قرب المزار صحيفة … تضوّع في أثنائها المندل (¬1) الرّطب
حوت من بديع النّطق درّا وحكمة … ببعضهما يستنزل الجامح الصّعب
أرقّ من السّلسال لفظا، كأنّما … جرت في نواحيها برقراقها السّحب
وأعلق بالأذهان معنى، كأنّما … تكوّن من مكنون جوهرها القلب
فأرسلت في تلك الرّياض نواظرا … ببهجتها إنسانها مغرم صبّ
وردّدت مع تلك المعاني خواطرا … إلى غير أبكار المعادن ما تصبو (¬2)
أتت بالأيادي الغرّ بدءا فقلّدت … بها مننا من دون إحصائها الشّهب
ووافت بها من غير وعد تفضّلا … كذاك الجنان الخصب والمورد العذب
ألا أيّها الصّدر الذّي اتّفقت على … فضائله في عصره العجم والعرب
سبقت إلى الإحسان فعل ذوي العلى … وواتاك من أنواعه الفرض والنّدب
وقرّرت (¬3) عن إدراك شأوك عاجزا … متى يلحق الواني وقد أعنق الرّكب؟
فأبديت فضلا ليس يدرك كنهه … عروب لساني، عن تضاعيفه ينبو (¬4)
وأوليت برّا قصرت عنه قدرتي … فطرف احتمالي عن تضاعيفه يكبو (¬5)
وغاية وسعي - وهي أوسع غاية - … ثنا ضاق عن إمداده الأفق الرّحب
ثناء كنشر الرّوض مرّت به الصّبا … سحيرا، وقد جادته عراصة (¬6) سكب (¬7)
¬__________
(¬1) المندل: عود الطيب الذي يتبخّر به.
(¬2) في رسائل مجد الدين بن الأثير: (إلى غير أبكار المعارف لا تصبو).
(¬3) رسائل مجد الدين بن الأثير: (وقصّرت).
(¬4) رسائله: (عن بلاغته ينبو).
(¬5) تكملة من رسائل.
(¬6) عراصة: سحابه فيها برق ورعد.
(¬7) رسائل مجد الدين بن الأثير 156 أ، ب، عقود الجمان (16/ 17 ب - 17 أ).