كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالْبَسْمَلَةِ (اقْتِدَاءً) بِالْكِتَابِ الْمَجِيدِ وَعَمَلًا (بِقَوْلِ النَّبِيِّ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِاسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدَلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " بِلَفْظِ
«لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ»
، وَمَعْنَى أَجْذَمَ، وَأَقْطَعَ، وَأَبْتَرَ: قَلِيلُ الْبَرَكَةِ، غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْبَسْمَلَةِ، وَالْحَمْدَلَةِ: إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ: فَبِالِابْتِدَاءِ بِالْبَسْمَلَةِ حَصَلَ الْحَقِيقِيُّ، وَبِالِابْتِدَاءِ بِالْحَمْدَلَةِ حَصَلَ الْإِضَافِيُّ، أَوْ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مُمْتَدًّا مِنْ حِينِ الشُّرُوعِ فِي التَّأْلِيفِ إلَى حِينِ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ، وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ، وَالْإِجْمَاعِ.
وَالْبَاءُ فِي الْبَسْمَلَةِ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَوْ: الِاسْتِعَانَةِ، مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَتَقْدِيرُهُ فِعْلًا أَوْلَى، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ لِلْأَفْعَالِ، وَخَاصًّا لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالْمَقَامِ، وَمُؤَخَّرٌ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ، وَلِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلْوُجُودِ وَأَدْخُلُ فِي التَّعْظِيمِ. وَكُسِرَتْ الْبَاءُ - وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْحُرُوفِ الْمُفْرَدَةِ الْفَتْحَ - لِلُزُومِهَا غَيْرَ الْحَرْفِيَّةِ وَالْجَرِّ، وَلِتُشَابِهَ حَرَكَتُهَا عَمَلَهَا. وَحُذِفَتْ الْأَلِفُ مِنْ اسْمِ اللَّهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَعُوِّضَ عَنْهَا تَطْوِيلُ الْبَاءِ.
الصفحة 6
950