كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 1)

فِي الْمَاءِ فَسَدَ، كَالشَّبِّ وَالْقَرَظِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الدِّبَاغِ، (وَلَا بِتَشْمِيسِ) الْجِلْدِ، (وَ) لَا (بِرِيحٍ وَتُرَابٍ) لِمَا سَبَقَ

(وَجَعْلُ مُصْرَانٍ وَتْرًا دِبَاغٌ) (وَكَذَا) جَعْلُ (كَرِشٍ) وَتْرًا دِبَاغٌ، لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِيهِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى فِعْلٍ، فَلَوْ وَقَعَ فِي مَدْبَغَةٍ فَانْدَبَغَ كَفَى، لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ، فَأَشْبَهَ الْمَطَرَ يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ.

(وَكُرِهَ خَرَزٌ بِنَحْوِ شَعْرِ خِنْزِيرٍ) ، كَشَعْرِ كَلْبٍ وَسَبُعٍ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَيْنِ النَّجِسَةِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ التَّنْجِيسِ بِهَا غَالِبًا، وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خَرَزَبِهِ رَطْبًا لِتَنْجِيسِهِ.

(وَلَا) يَجُوزُ دَبْغُ جِلْدِ (آدَمِيٍّ) ، وَلَا الْخَرَزُ بِشَعْرِهِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، (فَ) لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ بَلْ (يَحْرُمُ) ذَلِكَ، (لِحُرْمَتِهِ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] .

(وَكُرِهَ انْتِفَاعٌ بِ) شَيْءٍ (نَجِسٍ) بِشَرْطِ أَنْ (لَا يَتَعَدَّى) تَنَجُّسُهُ لِغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِتَجْوِيزِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَاسَةِ لِعِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ مَعَ الْمُلَابَسَةِ لِذَلِكَ عَادَةً.

وَسُئِلَ الْفَضْلُ عَنْ غَسْلِ الصَّائِغِ الْفِضَّةَ بِالْخَمْرِ هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ: هَذَا غِشٌّ، لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ بِهِ

(لَكِنْ يَحْرُمُ افْتِرَاشُ جِلْدِ سَبُعٍ) مِنْ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ إذَا كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ الْهِرِّ خِلْقَةً، وَاللُّبْسُ كَالِافْتِرَاشِ، لِحَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ «أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

وَقَوْلُهُمْ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ: وَيُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلِفًا فِي نَجَاسَتِهِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِ، (خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ) ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا، (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) أَبُو الْخَطَّابِ (دَبْغًا فِي) إبَاحَةِ (انْتِفَاعٍ بِ) جِلْدٍ (نَجِسٍ فِي يَابِسٍ، وَلَوْ جِلْدَ كَلْبٍ) إذَا لَمْ تَتَعَدَّ نَجَاسَتُهُ

(وَإِنْفَحَّةٌ) - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ

الصفحة 60