كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 1)
مُتَرَادِفَيْنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَسَائِرِ حَقَائِقِهَا، وَإِذَا جَعَلْنَا الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى بَطَلَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثَةِ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ قِيلَ: فَحُلُّوا لَنَا شُبَهَ مَنْ قَالَ بِاتِّحَادِهَا لِيَتِمَّ الدَّلِيلُ؛ فَإِنَّكُمْ أَقَمْتُمْ الدَّلِيلَ، فَعَلَيْكُمْ الْجَوَابُ عَنْ الْمُعَارِضِ: فَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الْخَالِقُ، وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ، فَلَوْ كَانَتْ أَسْمَاؤُهُ غَيْرَهُ لَكَانَتْ مَخْلُوقَةً، وَلَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ اسْمٌ فِي الْأَزَلِ، وَلَا صِفَةٌ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَهُ صِفَاتٌ، وَهَذَا هُوَ السُّؤَالُ الْأَعْظَمُ الَّذِي قَادَ مُتَكَلِّمِي الْإِثْبَاتِ إلَى أَنْ يَقُولُوا: الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى، فَمَا عِنْدَكُمْ فِي دَفْعِهِ؟
الْجَوَابُ: إنَّ مَنْشَأَ الْغَلَطِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ إطْلَاقِ أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ مُحْتَمَلَةٍ لِمَعْنَيَيْنِ: حَقٌّ وَبَاطِلٌ، فَلَا يَنْفَصِلُ النِّزَاعُ إلَّا بِتَقْصِيرِ تِلْكَ الْمَعَانِي، وَتَنْزِيلِ أَلْفَاظِهَا عَلَيْهَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَزَلْ، وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الْمُشْتَقَّةِ أَسْمَاؤُهُ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَأَسْمَاؤُهُ، وَصِفَاتُهُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ أَنَّهَا إلَهٌ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَلَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ غَيْرَهُ، وَلَيْسَتْ هِيَ نَفْسَ الْإِلَهِ، وَبَلَاءُ الْقَوْمِ مِنْ لَفْظِ الْغَيْرِ: فَإِنَّهَا يُرَادُ بِهَا مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا - الْمُغَايِرُ لِتِلْكَ الذَّاتِ الْمُسَمَّاةِ بِاَللَّهِ، وَكُلُّ مَا غَايَرَ اللَّهَ مُغَايِرَةً مَحْضَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مَخْلُوقًا.
وَيُرَادُ بِهِ مُغَايِرَةُ الصِّفَةِ لِلذَّاتِ إذَا خَرَجَتْ عَنْهَا، فَإِذَا قَالَ: عِلْمُ اللَّهِ وَكَلَامُ اللَّهِ غَيْرُهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ: كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا، وَلَكِنَّ الْإِطْلَاقَ بَاطِلٌ، وَإِذَا أُرِيدَ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْكَلَامَ مُغَايِرٌ لِحَقِيقَتِهِ الْمُخْتَصَّةِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ: كَانَ بَاطِلًا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَبِهَذَا أَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُعْتَزِلَةَ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَقَالُوا: كَلَامُهُ تَعَالَى دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ، فَاَللَّهُ تَعَالَى: اسْمُ الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَمِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ صِفَةُ الْكَلَامِ، كَمَا أَنَّ عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحَيَاتَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ
الصفحة 8
950