كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 1)

(قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (اسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِمَعْرِفَتِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - (بِأَحْوَالِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَجَاءَتْ الْآثَارُ بِأَنَّهُ يَرَى وَيَدْرِي بِمَا فُعِلَ عِنْدَهُ، وَيُسَرُّ بِمَا كَانَ) مَا يُفْعَلُ عِنْدَهُ (حَسَنًا، وَيَتَأَلَّمُ بِمَا كَانَ قَبِيحًا) . وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا أُخْزَى بِهِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ.
وَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ عِنْدَ عَائِشَةَ كَانَتْ تَسْتَتِرُ مِنْهُ، وَتَقُولُ: إنَّمَا كَانَ أَبِي وَزَوْجِي، وَأَمَّا عُمَرُ فَأَجْنَبِيٌّ، تَعْنِي: أَنَّهُ يَرَاهَا.

(وَعَذَابُهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (فِي قَبْرِهِ وَاقِعٌ عَلَى رُوحِهِ وَبَدَنِهِ؛ لَا) عَلَى (رُوحِهِ فَقَطْ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنَّ الْعَذَابَ أَوْ النَّعِيمَ يَحْصُلُ لِرُوحِ الْمَيِّتِ وَبَدَنِهِ، وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً، وَأَيْضًا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانَا، فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ أَوْ الْعَذَابُ، (خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ) فِي قَوْلِهِمَا: إنَّ الْعَذَابَ وَاقِعٌ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا: مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْبَدَنِ تَعَلُّقًا بِالرُّوحِ، فَتُعَذَّبُ بِالْقَبْرِ.

(وَسُنَّ) لِزَائِرِهِ (فِعْلُ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُ) ، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَلَوْ بِجَعْلِ جَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ فِي الْقَبْرِ) لِلْخَبَرِ وَأَوْصَى بِهِ بُرَيْدَةَ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي مَعْنَاهُ غَرْسُ غَيْرِهَا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. (وَ) فِي مَعْنَى ذَلِكَ (ذِكْرٌ وَقِرَاءَةٌ) وَتَسْبِيحٌ (عِنْدَهُ) - أَيْ: الْقَبْرِ - لِخَبَرِ الْجَرِيدَةِ، لِأَنَّهُ إذَا أُرْجِئَ التَّخْفِيفُ بِتَسْبِيحِهَا فَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى.

(وَتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةٌ بِمَقْبَرَةٍ) .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فَاقْرَءُوا

الصفحة 935