كتاب النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي (اسم الجزء: 1)

وحكى داود بن يحيى، عن أبي عثمان المعافري؛ قال: كنت عند عبد الرحمن بن زياد قاضي إفريقية وهو يتنفس صعداء حتى أتاه شاب أشقر ومعه مخلاة بصل، فأسر إليه كلامًا فأسفر وجه عبد الرحمن، فقال لمن حضر: قل لهم يبعثوا إلينا من هذا البصل مع الفول المطبوخ، فبعثوا إليه بذلك، فقال: تقرب، قال أبو عثمان: فقلت: لا، فقال: ولم أظننت ظنًّا؟ قلت: نعم، قال لي: أحسنت! إذا رأيت الهدية دخلت دار القاضي من باب داره، فاعلم أن الأمانة قد خرجت من كوة داره، وليس هو هدية يا أبا عثمان، فقلت له: إني كنت رأيتك مغمومًا، فلما أتاك هذا الغلام انطلقت وأسفر وجهك، فقال: إني أصبحت فذكرت بعد عهدي بالمصائب فخفت أن أكون سقطت من عين الله، فلما أتاني هذا الغلام ذكر أن أكفًا عبيدي توفي فزال عني الغمُّ واسترحت.
وأقام عبد الرحمن قاضيًا إلى مدة من أيام يزيد بن حاتم المهلبي، فانعزل من قبل نفسه؛ قيل: كان سبب ذلك أن امرأة كانت تدخل على نساء يزيد وكانت لها خصومة فاستدار الحكم لها، فحكم وكتب لها الحكم وختمه وأعطاه إياها فأخذته، فدخلت به دار يزيد بن حاتم وهي فرحة، فقال لها يزيد: ما هذا؟ فأعلمته فأخذه ففض خاتمه وقرأه فصاحت، فقال لها: لا عليك، أنا أبعث إليه بختمه فبعث إليه، فقال: ما أختمه حتى تعيد البنية، فبعث إليه ثانية، فقال: لا أفعل فلما ولى الرسول أخذ عبد الرحمن خاتمه فكسره وأخذ جلده، وقال: والله لا أحكم بين اثنين أبدًا.
وكان سبب موت عبد الرحمن فيما ذكر أنه أكل عند يزيد بن حاتم حيتانًا وشرب لبنًا وكان ليلًا وانصرف، فسمع يزيد بكاء في الليل فقال: ينبغي أن يكون على عبد الرحمن بن أنعم؛ فكان كذلك فلج ثم مات، وصلى عليه يزيد بن حاتم؛

الصفحة 472