كتاب فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (اسم الجزء: 1)

تصويرهم صورهم ونصبهم اياها في مجالسهم، ولم تخطر لهم بقلوبهم عبادتها بحال، بل قصدهم من صورهم المذكورة تذكر أَهل الدين والعلم ليعملوا بما كانوا يرونهم عليه في حال حياتهم من العمل الصالح، فانقرض ذلك الجيل وجاءَ جيل جديد ليس عندهم من العلم بحقيقة هذه الصور وشأْنها إلا أَنها معظمة تعظيمًا دينيًا، وان ذلك مما يحبه الله، وان ذلك يقربهم إلى الله زلفى، فدس إليهم الشيطان أَن أَوليكم ما صوروها إلا أَنهم يستنزلون بها المطر من السماء ويستنصرون بها على الأَعداء، ويستشفعون بها إلى الله، فحينئذ عبدوا تلك الصور وهي الأَصنام فأَرسل الله رسوله نوحًا عليه السلام يأْمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وينهاهم عن عبادة الأَصنام ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر. وهذا هو معنى ما ذكره المفسرون على قوله تعالى: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) (¬1) .
فمن أَجل كون تصوير الصور ولا سيما صور المعظمين من وسائل الشرك في العبادة، ومن أَجل أَيضًا ما في ذلك من المضاهات بخلق الله: جاءَت السنة الثابتة المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتغليظ الشديد في ذلك: من لعن المصورين، والتصريح بكونهم أَشَدَّ الناس عَذابًا يوْمَ الْقيامةِ، وبأن كلِّ مصور في النار يجعل له بكل صورة صوَّرها نفسٌ يعذب بها في جهنم، وبأن من صوَّر صورةً في الدنيا كُلِّفَ أَن ينفُخَ فيها الروح وليس
¬_________
(¬1) سورة نوح 23.

الصفحة 179