كتاب خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي (اسم الجزء: 1)

وعارضة الشيخ جمال الدين بن نباتة، في هذه القصيدة بعينها، وترقى إلى مطلع بدره وزاحمه في حسنه فمطلع الشيخ جمال الدين:
له إذا غازلتك عيناه ... سهام لحظ أجارك الله
من مطالعي، التي حصل لي فيها الفتوح في هذا الباب، قولي:
طلعتم بدورًا في أعزل المطالع ... فبشرني قلبي بسعد طوالعي1
وقولي:
إغراء لحظك ما لي منه تحذير ... ولا لتعريف وجدي فيك تنكير
وقولي:
في عروض الجفا بحور دموعي ... ما أفادت قلبي سوى التقطيع
وقولي:
لله قوم لنظم الوصل قد نثروا ... شعرت في حبهم يا ليتهم شعروا
وقولي:
جردت سيف اللحظ عند تهددي ... يا قاتلي فسلبتني بمنجرد2
وقولي:
هواي بسفح القاسمية والجسر ... ذا هبَّ ذاك الريح فهو الهوى العذري
وكأني بمنتقد تأمل قلبه على المتقدمين، بكثرة النقد، ومالت نفسه، إلي مع المتأخرين ليستوفي الشروط الأدبية في مباشرة هذا العقد. وقولي:
قال مال غصن النقا عن صبه هيفًا ... يا ليته بنسيم العتب لو عطا3
فأقول وبالله المستعان إن جماعة من المخاديم بدمشق رسموا أن أعارض شيئًا من نظم الشيخ جمال الدين بن نباتة وتخيروا لي خمس قصائد منها قصيدته الكافية التي مطلعها:
تصرمت الأيام دون وصالك ... فمن شافعي في الحب يا ابنة مالك4
فلما انتهت إلى معارضتها وجدت، بين الشطر الثاني من المطلع وبين الشطر الأول، مباينة، كما تقدم في مطلع امرئ القيس من الكلام على أن في شطره الأول ما ليس في الثاني.
وقد اتفق علماء البديع على أن عدم تناسب القسمين نقص في حسن الابتداء، وقد تقدم قول زكي الدين بن أبي الصبع: إن مطلع النابغة أفضل من مطلع امرئ القيس، لتناسب القسمين، وإن كان مطلع امرئ القيس أكثر معاني. انتهى ولو قال الشيخ جمال الدين في مطلعه:
__________
1 طوالعي: مفردها طالع وهو الحظ.
2 جرد السيف: أعده للمعركة - المنجرد: الذي تعرى من ثوبه.
3 هيفا: طولا واستقامة. النقا: الكثيب من الرمل.
4 تصرمت: انقضت - الوصال: اللقاء.

الصفحة 28