كتاب خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي (اسم الجزء: 1)
تشعر بغرض الناظم وقصده في قصيدة، براعة قصيدة الفقيه نجم الدين عمارة اليمني حيث قال:
إذا لم يسالمك الزمان فحارب ... وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب
فإشارات العتب والشكوى لا تخفى على أهل الذوق في هذه البراعة، ويفهم منها أن بقية القصيدة تعرب عن ذلك، فإن زكي الدين بن أبي الإصبع قال: براعة الاستهلال هي ابتداء المتكلم بمعنى ما يريد تكميله، وهذه القصيدة، في حكمها وتحشمها وتسيير أمثالها، نهاية، والموجب لنظمها على هذا النمط، أنه كان بينه وبين الكامل بين شارر صحبة أكيدة، قبل وزارة أبيه، فلما وزر استحال عليه فكتب إليه هذه القصيدة التي من جملتها:
ولا تحتقر كيدًا صغيرًا فربما ... تموت الأفاعي من سموم العقارب
ومنها:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز ... عليه من الإنفاق في غير واجب
فبين اختلاف الليل والصبح معرك ... يكر علينا جيشه بالعجائب
ومنها:
وما راعني غدر الشباب لأنني ... ألفت لهذا الخلق من كل صاحب
ومنها:
إذا كان هذا الدر معدنه فمي ... فصونوه عن تقبيل راحة واهب1
رأيت رجالا حالهم في مآدب ... لديكم وحالي عندكم في نوادب2
تأخرت لما قدمتكم علاكم ... عليّ وتأبى الأسد سبق الثعالب
ترى أين كانوا في مواطني التي ... غدوت لكم فيهن أكرم خاطب3
ليالي أتلوا ذكركم في مجالس ... حديث الورى فيها بغمز الحواجب4
ومن ألطف البراعات وأحشمها، براعة مهيار الديلمي، فإنه بلغه أنه وشي به إلى ممدوحه فتنصل من ذلك، بألطف عذر وأبرزه في معرض التغزل والنسيب، فقال:
أما وهواها حلفة وتنصلا ... لقد نقل الواشي إليك فامحلا5
وما أحلى ما قال بعده:
سعى جهده لكن تجاوز حده ... وكثر فارتابت ولو شاء قللا
__________
1 الراحة: باطن الكف أو جمعه. الواهب: المعطي الهبات.
2 مآدب: في فرح - نوادب: أي في حزن.
3 خاطب: طالب القرب.
4 الورى: الناس. وغمز الحواجب: تحريكها.
5 التنصل: التخلص والإنكار. الواشي: ناقل الأخبار - أمحلا: أي لم ينقل الحقيقة، كذب.
الصفحة 31
480