كتاب خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي (اسم الجزء: 1)

وهي طويلة وجميعها فرائد ولم أكثر منها إلا لعلمي أن نظم الوزير لسان الدين بن الخطيب رحمه الله تعالى، غريب في هذه البلاد.
ومن البراعات التي يفهم من إشاراتها أنها تهنئة بمولود، قول أبي بكر بن الخازن رحمه الله تعالى:
بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا ... وكوكب المجد في أفق العلا صعدا
ومما يشعر بقرينة الذوق، أن الناظم يريد الرثاء، قول التهامي:
حكم المنية في البرية جاري ... ما هذه الدنيا بدار قرار
وهذه القصيدة يرثي بها ولده، وهي نسيج وحدها وواسطة عقدها.
ومها:
ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار1
جبلت على كدر وأنت تريدها ... صفوًا من الأقذاء والأقذار2
وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبنى الرجاء على شفير هار3
فالعيش نوم والمنية يقظة ... والمرء بينهما خيال سار
وما أعلم أن أحدًا استهل للمراثي بأحسن من هذه البراعات، ومنها يشير إلى ولده وهو
من المعانى المستغربة:
جاورت أعدائي وجاور ربه ... شتان بين جواره وجواري
وأما قصيدة الشيخ جمال الدين بن نباة، رحمه الله تعالى، في تهنئة السلطان للملك الأفضل بسلطنة حماة، وتعزيته بوفاة والده الملك المؤيد، سقى الله ثراه، فإنها من عجائب الدهر فإنه جمع فيها بين نقيضي4 المدح والرثاء في كل بيت، وبراعتها:
هناء محاذاك العزاء المقدما ... فما عبس المحزون حتى تبسما
ثغور ابتسام في ثغور مدامع ... شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما
يرد مجاري الدمع والبشر واضح ... كوابل غيث في ضحى الشمس قد همى5
__________
1 جذوة نار: قبس من نار.
2 الأقذاء: جمع مفرده قذى وهو الضيم، ومن الناس: السفلة.
3 شفير هار: الحرف الموشك على السقوط.
4 نقيضي: هكذا وردت في الأصل، والأصح: نقيضين "الشارح".
5 الوابل: الغزير من المطر - همى: هطل.

الصفحة 35