كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 1)

أَجْزَاءٍ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ فَتَجِبُ ثَمَانِيَةٌ (وَتَدْخُلُ الْغَايَةُ فِي الْخِيَارِ عِنْدَهُ) أَيْ إذَا بَاعَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إلَى غَدٍّ يَدْخُلُ الْغَدُ فِي الْخِيَارِ أَيْ يَكُونُ الْخِيَارُ ثَابِتًا فِي الْغَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَهُ فَقَوْلُهُ إلَى الْغَدِ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهُ (وَكَذَا فِي الْأَجَلِ وَالْيَمِينِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَرَافِقِ) أَمَّا الْأَجَلُ فَنَحْوُ بِعْت إلَى رَمَضَانَ أَيْ لَا أَطْلُبُ الثَّمَنَ إلَى رَمَضَانَ وَأَمَّا الْيَمِينُ فَنَحْوُ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا إلَى رَمَضَانَ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أَطْلُبُ الثَّمَنَ وَلَا أُكَلِّمُ يَتَنَاوَلُ الْعُمْرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشَرَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا وَاحِدٌ، وَلَيْسَ بِجُزْءٍ مِمَّا بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْعَشَرَةِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ مِنْ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ أَوْ مَا بَيْنَ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ تَدْخُلُ الْعِشْرُونَ فِي ثَلَاثِينَ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ التِّسْعَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّلَاثِينَ لَا يُقَالُ مُرَادُهُ أَنَّ الْوَاحِدَ جُزْءٌ مِنْ الْعَدَدِ الَّذِي فَوْقَهُ كَالِاثْنَيْنِ مَثَلًا وَثُبُوتَ الْكُلِّ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْجُزْءِ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ كَانَ اللَّازِمُ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ بِمَنْزِلَةِ لَهُ عَلَيَّ اثْنَانِ، وَثَلَاثَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ إلَى عَشَرَةٍ حَتَّى إذَا ضَمَّ إلَيْهِ عَشَرَةً لَزِمَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْآحَادُ الَّتِي بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْعَاشِرِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِنَا مَا بَيْنَ وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ فَيُتَأَمَّلُ، وَلَا بِنَاءَ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَ مَا بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالْعَاشِرِ، وَفِيهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ، وَغَيْرُهُمَا، وَالثَّانِي لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْأَوَّلِ فَيَجِبُ ضَرُورَةً كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ إيقَاعٌ لِلثَّانِيَةِ، وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْأُولَى فَيَقَعُ طَلْقَتَانِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَانِيَةً فَإِنَّهُ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَيَلْغُو الْوَصْفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلْوَاحِدَةِ ذِكْرٌ، وَالطَّلَاقُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِلَفْظٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ التَّضَايُفَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ وَصْفَيْ الْأَوَّلِيَّةِ وَالثَّانَوِيَّةِ لَا بَيْنَ ذَاتَيْهِمَا فَإِيقَاعُ مَا هُوَ ثَانٍ لَا يُوجِبُ إيقَاعُ مَا هُوَ الْأَوَّلُ إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْمَعْرُوضَيْنِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ إنَّ كَوْنَ الْأَبِ فِي الدَّارِ يُوجِبُ كَوْنَ الِابْنِ فِيهَا ضَرُورَةً أَيْ الْأَبُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الِابْنِ، وَلَا يَدْخُلُ الْآخِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مُطْلَقَ الدِّرْهَمِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَاشِرَ فَذَكَرَ الْغَايَةَ لِمَدِّ حُكْمِ الْوُجُوبِ وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ الْأَوَّلُ، وَالْعَاشِرُ لِأَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ غَيْرُ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا إذْ لَا وُجُودَ لِلْعَاشِرِ إلَّا بِوُجُودِ تِسْعَةٍ قَبْلَهُ، وَلَا وُجُودَ لِلْأَوَّلِ إلَّا بِوُجُودِ الثَّانِي بَعْدَهُ فَلَا تَكُونَانِ غَايَتَيْنِ مَا لَمْ تَكُونَا ثَابِتَيْنِ، وَذَلِكَ بِالْوُجُوبِ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ الْغَايَتَيْنِ عَمَلًا بِمُوجَبِ اللُّغَةِ، وَقَدْ حَاجَّهُ الْأَصْمَعِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَا قَوْلُك فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ كَمْ سِنُّك فَقَالَ مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ أَيَكُونُ ابْنَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ فَتَحَيَّرَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَرَافِقِ)

الصفحة 224