كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 1)

وهذا مثل قول جرير
(أحب لحب فاطمة الديارا)
والذي أورد من أنواع هذه المعاني إنما هو إشارة إلى جمهورها وتنبيه على معظمها ولو اتبعت كل ما فيه أمثاله وعلقت عليه أشكاله لكثرت واتصلت وتوفرت حتى أملت وأضجرت وتجاوز الحد في القول من هذه فيه وهجنة على قائلة؟ ومن أجود ما قيل في حب السودان:
(أحبُ النساء السودَ من حبَ تكتم ... ومن أجلها أحبتتُ من كانِ أسودا)
(فجئني بمثلِ المسكِ أطيب نفحة ... وجئني بمثل الليل أطيب مرقدا)
البيت الثاني على غاية الجودة وحسن التمثيل. وقلت:
(صرفتُ ودَّي إلى السودان من هجر ... وما (أميل) إلى رومٍ ولا خزرِ)
(أصبحتُ أعشقُ من وجهِ ومن بدن ... ما يعشقُ الناسُ من عينٍ ومن شعرِ)
(فإنْ حسبت سوادَ الجلدِ منقصةً ... فانظر إلى سعفةٍ في وجنة القمر)
وروي للجاحظ:
(يكونُ الخالُ في وجهٍ مليح ... فيكسوهُ الملاحةَ والجمالا)
(ولستَ تملُ من نظرٍ إليهِ ... فكيفَ إذا رأيتَ الوجهَ خالا)
وقد ملح بعضهم في خلاف ذلك:
(إنّ الذي يعشق من لا يرى ... كميتٍ من شدة الغلمة)
(وإنَّ من يعشقُ زنجيةً ... لكالذي دلك في الظلمة)
أجود ما قيل في الخيال من قديم الشعر قول قيس بن الخطيم:
(أنى سريتِ وكنتِ غير سروبِ ... وتقربُ الأحلامُ غيرَ قريبِ)
(ما تمنعي يقظى فقد تؤتينه ... في النوم غير مكدَّرٍ محسوبِ)
(كان المنى بلقائها فلقيتها ... ولهوتُ من لهو امرئ مكذوبِ)
وقول عمرو بن قميئة:

الصفحة 276