كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 1)

يقول إن العادة إن يقري الطارق المطروق والخيال طارق يقري المطروق. ومن الغريب الدقيق قول ابن الرومي:
(طرقَتْنا فأنالتْ نائلا ... شكره لو كان في النبة الجحودُ)
(ثم قالتْ وأحستْ عَجَبي ... من سراها حيث لا تسري الأسود)
(لا تعجبْ من سُرانا فالسُّرى ... عادةُ الأقمارِ والناسُ هجودُ)
فرأيت في هذه الأبيات زيادة وتضميناً فقلت:
(رقبتْ عفلة الرقيب فزارتْ ... تحت ليل مطرزٍ بنهار)
(فتعجبُ من سُراها فقالتْ ... غير مستطرفُ سرى الأقمارِ)
(ثم مالتْ بكأسها فسقتني ... جلناريةً على جلّنارِ)
آخر:
(فيا ليت طيفاً خيلتهُ لي المنى ... وإنْ زادني شوقاً إليك يعودُ)
(أكلفُ نفسي عنك صبراً وسلوة ... وتكليف مالا يستطاع شديد)
الجيد أن يقول (تكلف مالا يستطاع) وأما تكليفه في الحقيقة فغير شديد على المكلف وإنما جعل هذا التكليف مكان التكلف وهو ردئ. وقال الحمدوني:
(لم أنلهُ فنلتهُ بالأماني ... في منامي سراً من الهجرانِ)
(واصل الحلمُ بيننا بعد هجر ... فاجتمعنا ونحنُ مفترقان) ِ ...
(وكأنَ الأرواحَ خافتْ رقيباً ... فطوتْ سرًّها عن الأبدانِ)
(منظرٌ كانَ نزهةَ العين إلا ... أنَّه ناظر بغير عِيان)
وقال ابن المعتز:
(لافَرجَ اللهُ عن عيني برؤيته ... إن كنتُ أبصرتُ شيئاً بعدَهُ حسنا)
(إلا خيالاً عسى إن نمتُ يطرقني ... وكيفَ يحلمُ من لا يعرفُ الوسنا)
وقال:
(كلامهُ أخدعُ من لحظهِ ... ووعدهُ أكذبُ من طيفهِ)
وليس لأحد في الخيال ما للبحتري كثرة فمنه قوله:
(بعينيك إعوالي وطُولُ شهيقي ... وإخفاقُ عيني من كرىً وخُفُوقِ)

الصفحة 278