كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 1)

ومن ظريف الشكاية قول إبراهيم بن العباس:
(فدعني راغماً أشقى بوجدي ... وخذ قلبي إليكَ بغيرِ حمدِ)
(سقام لا يرقُ عليَ منه ... ووجد لا يكافئهُ بودّ)
(وقد أصفيتهُ ودّي بجهدي ... فعارضَ في الجفاءِ بمثل جهدي)
ومن جيد ما مدح به الفراق قول بعض الكتاب: في الفراق مصافحة التسليم ورجاء الأوبة والسلامة من الملال وعمارة القلب بالشوق والدلالة على فضل المواصلة واللقاء. وقال الشاعر:
(جزى اللهُ يومَ البينِ خيراً فإنه ... أرانا على علاتهِ أمَ ثابتِ)
وكتب بعضهم في معنى قول الشاعر
(وما في الأرض أشقى من محب ... )
وقد تقدم: تفكري في مرارة البين يمنعني من التمتع بحلاوة الصبر وتكره عيني أن تقربك مخافة أن تسخن ببعدك فلي عند الاجتماع كبد ترجف وعند التنائي مقلة تكف. ومثله: لا والذي بيده السلامة من نزوح دارك وبعد مزارك ما زادني اللقاء إلا صبابة وأسفاً والاجتماع إلا نزاحا وكلفا لأني منقسم القلب بين رجاء يعدني بقربك وحذر يوعدني ببعدك وإذا قربت دارك كلفت وإن نأت أسفت فلا في القرب أسلو ولا البعد. وسمعت لماني الموسوس معنى أظنه ابتكره وهو:
(بكتْ عيني غداةَ البينِ دمعاً ... وأخرى بالبكى بخلتْ علينا)
(فعاقبتُ التي بخلتْ علينا ... بأن غمضتها يومَ التقينا)
وسبكه البيت الأول ورصفه ردئ جداً لا خير فيه وإنما استغربت المعنى فأوردته. وقد أخذه ابن الرومي فشرحه وزاد فيه وهو من قوله:
(ولقد يؤلفنا اللقاءُ بليلةٍ ... جعلتْ لنا حتى الصباح نظاما)
(تجزي العيون جزاءهنَ عن البكى ... وعن السهادِ فلا نصيبُ اثاما)
(فنبيحهنَ مرادهنَ يردنه ... فيما ادعينَ ملاحةً ووساما)

الصفحة 283