كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 1)

ومن أتم أوصاف الظلمة الذي ليس في كلام البشر مثله قول الله عز وجل {أو كظلمات في بحرٍ لجي يغشاه موج من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعض} وقال الأصفهاني العلوي:
(ورَبَ ليلٍ باتتْ عساكرُهُ ... تحملُ في الجوَ سودَ راياتِ)
(لامعة فوقها أسنتها ... مثل الأزاهير وسطَ رَوضاتِ)
ولست أورد أكثر شعره إلا لإصابة معناه دون لفظه لأن أكثر لفظه متكلف وجل صنعته فاسد وهذا من العجب لأنه من أكثر الناس نقداً لشعر غيره وقد صنف كتاب عيار الشعر فأجاده وهو إذا أراد استعمال ما ذكرناه لم يكمل له فهو كالمسن يشحذ ولا يقطع. ومن أحسن الاستعارة في ذكر الليل قول ابن أبي فنن:
(أقولُ وجنحُ الدجُّى ملبدُ ... ولليل في كلِّ فجٍ يدُ)
(ونحنُ ضجيعان في مسجدٍ ... فللَّه ما ضمنَ المسجدُ)
(أيا ليلة الوصل لا تنفدي ... كما ليلةُ الهجر لا تنفد)
(ويا غدُ إن كنت لي راحماً ... فلا تدنُ من ليلتي يا غدُ)
وقال السري:
(وشردَ الصبحُ عنا الليلَ فاتضحت ... سطورُه البيضُ في راياته السود)
وقلت:
(ليل كفرع الخود تخلف ضحى ... زهراءُ مثل عوارض الزهراءِ)
(عبقت بأنفاس الرِّياض كأنما ... نفض الرَّقيب غلالة الدلتاءِ)
وقلت:
(والليلُ يمشي مشيةَ الوئيد ... في الخضرِ من لباسهِ والسودِ)
(والصبحُ في أخراه ثاني الجيدِ ... )
فأما أجود ما قيل في طول الليل من الشعر القديم فقول امرئ القيس:
(وليل كموج البحر أرخى سودله ... علىَ بأنواع الهموم ليبتلى)

الصفحة 345