كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 1)

فجعل الهم يأوي إلى قلبه بالليل كالنعم العازبة تريحها الرعاة مع الليل إلى أماكنها، وهو أول من ذكر أن الهموم تتزايد بالليل. وقلت:
(وذكرنيهِ البدرُ والليل دونهُ ... فبات بحدِّ الشوق والصبر يلعبُ)
(كذكرى الحمى والحي في منعج اللوى ... وذكر الصبا والرأس أخلس أشيب)
(فأزدادُ في جنح الظلامِ صَبابةً ... فلا صعبَ إلاّ وهو بالليلِ أصعبُ)
وقلت:
(ورأيتُ الهمومَ بالليلِ أدهى ... وكذاك السرورُ بالليلِ أعذبُ)
ومما استجدت من شعر أبي بكر الصولي في معنى امرئ القيس قوله:
(أسرَ القلب في هواهُ وسارا ... وتجنى على ظلماً وجارا) ِ ...
(فنهاري أراهُ للبعدِ ليلاً ... وأرى للسهادِ ليلي نهارا)
(أنتَ فرَقتَ بالتفرقِ صبري ... فأعرني لما عراني اصطبارا)
ويستجاد هذا بالإضافة إلى جملة شعره فأما لنفاسته لنفسه فلا. وقال إسحاق الموصلي في معنى النابغة:
(إنَّ في الصبح راحةً لمحبّ ... ومع الليلِ ناشئاتُ الهمومِ)
وهذه اللفظة مأخوذة من قول الله تعالى: {إنَ ناشئةَ اللَيلِ هيَ أشَدُ وطئاً وأقومُ قيلا} وقال طاهر بن علي بن سليمان:
(إذ لاحَ لي صبحٌ فهمي مقسم ... وفي الليلِ همي بالتفردِ أطولُ)
وتمنى بعض المثقلين بالدين المبتلين بالفقر دوام الليل لما يلقي النهار من الغرماء ولما يحتاج إليه من النفقة في كل يوم فقال:
(ألا ليتَ النهارَ يعودُ ليلاً ... فإنَ الصبحَ يأتي بالهمومِ)
(حوائجُ لا تطيقُ لها قضاءً ... ولا رداً وروعات الغريم)
وقوله (ولا رداً) من التتميم الحسن. وقال التنوخي في طوله الليل:
(وليلةٍ كأنها طولُ الأملْ ... ظلامُها كالدَّهرِ ما فيه خللْ)
(كأنما الأصباحُ فيها باطل ... أزهقه اللهُ لحقٍ فبطل)

الصفحة 347