كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 1)

فقال ويله وما ينفعه خير يؤول إلى شر؟ فقلت كذا قرأته على أبي عمرو، قال صدقت وقال كذا قال جرير وكان قليل التنقيح مشرد الألفاظ، وما كان أبو عمرو ليقرئك إلا كما سمع، قلت كيف كان يحب أن يقول؟ قال الأجود له لو قال
(فيا لك يوماً خيره دون شره)
فاروه هكذا، وكانت الرواة قديماً تصلح من شعر القدماء، فقلت والله لا أرويه بعدها إلا هكذا. ومثل ذلك أن أبا الفضل بن العميد أنشد قول أبي تمام
(وكشفت لي عن صفحة الماءِ الذي ... قد كنتُ أعهدهُ كثيرَ الطحلبِ)
فقال إنما قال عن جلد الماء فقال إذا أمكن أن يصلح قصيدته يتغيير لفظة فمن حقها وحق قائلها أن تغير قال أبو هلال وبين الصفحة والجلدة بون بعيد وقال ابن طباطبا
(بأبي من نعمتُ فيهِ بيوم ... لم يزلْ للسرورِ فيه نموُّ)
(يوم لهوٍ قد التقى طرفاهُ ... فكأنَ العشىَ فيه غدوُ)
ومن قول إبراهيم بن العباس والناس يروونه لغيره:
(ليلةٌ كاد يلتقي طرفاها ... قصراً وهي ليلةُ الميلادِ)
وقلت:
(وطال عمُرك في دهرٍ به قصرٌ ... تعدُ فيه شهور العيش أياما)
وقال القصافي:
(ذكرتكم ليلاً فنورَ ذكركم ... دجى الليل حتى انجاب عنا دياجره)
(فو الله ما أدري أضوءٌ مسجر ... لذكركم أم يسجرُ الليلُ ساجره)
(وبتُ أسقي الشوق حتى كأنني ... صريعُ مدام لم ينهنه دائره)
(وظلتْ أكفّ الشوق لما ذكرتكم ... تمثَّل لي منكم خيالاً أسايره)
(فلو كنتمُ أقصى البلاد لزرتكم ... إلى حيث يعي وردُه ومصادُره)
(أرى قصراً بالليلِ حتى كأنما ... أوائله مما تداني أواخره)
وقد أحسن ابن المعتز في صفة ليلة طيبة فقال:

الصفحة 353