كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 1)
صفحة رقم 109
من حيث إن الأول إهباط لمعنى القرار في الدنيا والاغتذاء فيها وذرء الذرية وأعمال أمر العداوة التي استحكمت بين الخلقين من آدم وإبليس ، وهذا الإهباط الثاني إهباط عن مكانة الرتبة الآمرية الدينية التي كانت خفية في أمر آدم ظاهرة في أمر إبليس ، وفي قوله : ( جميعاً ( إشعار بكثرة ذرء الخلقين وكثرة الأحداث في أمر الديانة من النقلين - انتهى .
وخص في إبراز الضمير بمحض الإفراد من غير إيراد بمظهر العظمة إبعاداً عن الوهم فقال : ( مني هدى ) أي بالكتب والرسل ، ولما كان الهدى الذي هو البيان لا يستلزم الاهتداء قال : ( فمن تبع ) أي أدنى اتباع يعتد به ، ولذلك اكتفى في جزائه بنفي الخوف الذي قد يكون عن توبة من صلال بخلاف ما في طه كما يأتي إن شاء الله تعالى .
والتبع السعي أثر عَلَم الهدى - قاله الحرالي .
) هداي ) أي المنقول أو المعقول ، فالثاني أعم من الأول .
لأنه أعم من أن يكون منقولاً عن الرسل أو معقولاً بالقياس على المنقول عنهم ، أو بمحض العقل كما وقع لورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وأضرابهما المشار إليهم بالقليل في قوله تعالى :
77 ( ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً ( ) 7
[ النساء : 83 ] قال العارف شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي في كتابه رشف النصائح الإيمانية : فالعفل حجة ا لله الباطنة والقرآن حجة الله الظاهرة .
قال الحرالي : وجاء ) هداي ( شائعاً ليعم رفع الخوف والحزن من تمسك بحق ما من الحق الجامع ، وأدناه من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فيما بينه وبين الحق وفيما بينه وبين الخلق - انتهى .
ولما كان الخوف أشد لأنه يزداد بمر الزمان ، والحزن يحفّ ، قدّمه فقال : ( فلا خوف عليهم ) أي من شيء آت فإن الخوف اضطراب النفس من توقع فعل ضارّ - قاله الحرالي .
) ولا هم يحزنون ) أي على شيء فات ، لأنهم ينجون من النار ويدخلون الجنة والحزن كما قال الحرالي : توجع القلب لأجل نازح قد كان في الوصلة به رَوح ، والقرب منه راحة ، وجاء في الحزن بلفظ ) هم ( لاستبطانه ، وبالفعل لأنه باد من باطن