كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 1)

صفحة رقم 538
أخذه أجمع ، كأوعبه واستوعبه ، وأوعب جمع ، والشيء في الشيء أدخله كله أي وسعه حتى دخل فيه ، والوعب من الطرق : الواسعة ، وبيت وعيب واسع ؛ والبعو الجناية والجرم لأن ذلك يوسع الكلام في العرض ، وهو أيضاً العارية ، وبعاه قمره وأصاب منه ، وبعاه بالعين أصابه بها كأنه وسع لعينه فيه حظاً .
ولما كان الوعظ كما قال الحرالي دعوة الأشياء بما فيها من العبرة للانقياد للإله الحق بما يخوفها ويقبضها في مقابلة التذكير بما يرجيها ويبسطها ، وكان فيما أخبر به سبحانه وتعالى عن حال المربي أتم زاجر لأن أجلّ ما للإنسان بعد روحه عقله سبب عن ذلك قوله : ( فمن جاءه ( قال الحرالي : أطلق الكلمة من علامة التأنيث النازل الرتبة ترفيعاص لقدر هذه الموعظة الخفية المدرك العظيمة الموقع ) موعظة ( بناء مبالغة وإعلاء لما أشعرت المفعلة الزائدة الحروف على أصل لفظ الوعظ بما يشعر به الميم من التمام والهاء من الانتهاء ، فوضع الأحكام حكمة ، والإعلام بثمراتها في الآخرة موعظة تشوق النفس إلى رغبتها ورهبتها - انتهى .
ولما كان التخويف من المحسن أردع لأن النفس منه أقبل قال : ( من ربه ) أي المربي له المحسن إليه بكل ما هو فيه من الخير .
قال الحرالي : في إشعاره أن من أصل التربية الحمية من هذا الربا - انتهى .
) فانتهى ) أي عما كان سبباً للوعظ .
قال الحرالي : أتى بالفاء المعقبة فلم يجعل فيه فسحة ولا قراراً عليه لما فيه من خبل العقل الذي هو أصل مزية الإنسانية وإن لم يشعر به حكماء الدنيا ولا أطباؤها - انتهى .
ولما كان السياق بما أرشد إليه التعليل بقوله : ( ذلك بأنهم قالوا ( دالاً على أن الآية في الكفرة وأن المراد بالأكل الاستحلال أكد ذلك بقوله : ( فله ما سلف ) أي من قبيح ما ارتكبه بعد أن كان عليه ولا يتبعه شيء من جريرته لأن الإسلام يجب ما قبله وتوبة المؤمن لا تجب المظالم .
قال الحرالي : والسلف هو الأمر الماضي بكليته الباقي بخلفه ، وقال : في إعلامه إيذان بتحليل ما استقر في أيديهم من ربا الجاهلية ببركة توبتهم من استئناف العمل به في الإسلام لما كان الإسلام يجب ما قبله ، وفي طيّ إشعاره تعريض برده لمن يأخذ لنفسه بالأفضل ويقوي إشعاره قوله ) وأمره إلى الله ( انتهى ، أي فهو يعامله بما له من الجلال والإكرام بما يعلمه من نيته من خلوص وغيره .
ولما كان المربون بعد هذه الزواجر بعيدين من رحمة الله عبر عنهم سبحانه وتعالى بأداة البعد في قوله : ( ومن عاد ) أي إلى تحليل الربا بعد انتهائه عنه نكوباً عن حكمة ربه ) فأولئك ) أي البعداء من الله ) أصحاب النار ( ولما كانت نتيجة الصحبة الملازمة قال : ( هم فيها خالدون ( .

الصفحة 538