كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 1)

صفحة رقم 59
وهذه الآية من المحكم الذي اتفقت عليه الشرائع واجتمعت عليه الكتب ، وهو عمود الخشوع ، وعليه مدار الذل والخضوع .
قال الإمام أبو الحسن الحرالي في العروة : وجه إنزال هذا الحرف تحقيق ا تصاف العبد بما هو اللائق به في صدق وجهته إلى الحق بانقطاعه عن نفسه وبراءته منها والتجائه إلى ربه استسلاماً ، وجهده في خدمته إكباراً واستناده إليه اتكالاً ، وسكونه له طمأنينة
77 ( ) يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ( ) 7
[ الفجر : 27 ، 28 ] ، ويتأكد تحلي العبد بمستحق أوصافه لقراءة هذا الحرف والعمل به بحسب براءته من التعرض لنظيره المتشابه ، لأن اتباع المتشابه زيغ لقصور العقل والفهم عن نيله ، ووجوب الاقتصار على الإيمان به من غير موازنة بين ما خاطب الله به عباده للتعرف وبين ما جعله للعبد للاعتبار ، سبحانه من لم يجعل سبيلاً إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته .
وجامع منزل المحكم ما افتتح به التنزيل في قوله تعالى :
77 ( ) اقرأ باسم ربك ( ) 7
[ العلق : 1 ] الآيات ، وما قدم في الترتيب في قوله تعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ( إلى ما ينتظم بذلك من ذكر عبادة القلب التي هي المعرفة
77 ( ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( ) 7
[ الذاريات : 56 ] فليكن أول ما تدعوهم إليهم عبادة الله فإذا عرفوا الله ، ومن ذكر عبادة النفس التي هي الإجمال في الصبر وحسن الجزاء
77 ( ) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ( ) 7
[ الكهف : 28 ]
77 ( ) ويدرؤون بالحسنة السيئة ( ) 7
[ الرعد : 22 ]
77 ( ) الذين هم في صلاتهم خاشعون ( ) 7
[ المؤمنون : 2 ] لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه إلى سائر أحوال العبد التي يتحقق بها في حال الوجهة إلى الرب ، وما تقدم من حرفي الحلال والحرام لإصلاح الدنيا ، وحرفي الأمر والنهي لإصلاح العقبى معاملة كتابه ، والعمل بهذا الحرف اغتباط بالرق وعياذ من العتق ، فلذلك هو أول الاختصاص ومبدأ الاصطفاء وإفراد موالاة الله وحده من غير شرك في نفس ولا غير ، ولذلك بدئ بتنزيله النبي العبد ، وهو ثمرة ما قبله وأساس ما بعده ، وهو للعبد أحوال محققة لا يشركه فيها ذو رثاء ولا نفاق ، ويشركه في الأربعة المتقدمة - يعني النهي والأمر والحلال والحرام ، لأنها أعمال ظاهرة فيتحلى بها المنافق ، وليس يمكنه مع نفاقه التحلي بالمعرفة ، ولا بالخشوع ولا بالخضوع ، ولا بالشوق للقاء ولا بالحزن في الإبطاء ، ولا بالرضا بالقضاء ، ولا بالحب الجاذب للبقاء في طريق الفناء ، ولا بشيء مما شمله آيات المحكم المنزلة في القرآن وأحاديثه الواردة للبيان ، وإنما يتصف بهذا الحرف عباد الرحمن
77 ( ) وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ( ) 7
[ الفرقان : 63 ] الذين ليس للشيطان عليهم سلطان
77 ( ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( ) 7
[ الحجر : 42 ، والإسراء : 65 ] .

الصفحة 59