كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 1)
صفحة رقم 68
أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن مضى وعاند منهم ، منبئاً عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان ، جامعاً في ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه ، ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه ، وأنبأ عن وجوب ما أمر به ونهى عنه ، ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر تعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم ؛ فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله أو مناقضته في شكله ، ثم صار المعاندون له يقولون مرة : إنه شعر - لما رأوه منظوماً - ومرة : إنه سحر - لما رأوه معجوزاً عنه غير مقدور عليه ، وقد كانوا يجدون له وقعاً في القلوب وفزعاً في النفوس يريبهم ويحيرهم ، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعاً من الاعتراف ، ولذلك قالوا : إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وكانوا مرة بجهلهم يقولون : إنه
77 ( ) أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً ( ) 7
[ الفرقان : 5 ] مع علمهم أن صاحبه أمي وليس بحضرته من يملي أو يكتب في نحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز - انتهى .
وأول كلامه يميل إلى أن الإعجاز بمجرد النظم من غير نظر إلى المعنى ، وآخره يميل إلى أنه بالنظر إلى النظم والمعنى معاً من الحيثية التي ذكرها ، وهو الذي ينبغي أن يعتقد لكن في التحدي بسورة واحدة وأما بالعشر فبالنظر إلى البلاغة في النظم فقط - نقله البغوي في تفسير سورة هود عن المبرد وقد مر آنفاً مثله في كلام الجاحظ .
وقال الأستاذ أبو الحسن الحرالي في مفتاح الباب المقفل الباب الأول في علو بيان القرآن على بيان الإنسان : اعلم أن بلاغة البيان تعلو على قدر علو المبين ، فعلو بيان الله على بيان خلقه بقدر علو الله على خلقه ، فبيان كل مبين على قدر إحاطة علمه ، فإذا أبان الإنسان عن الكائن أبان بقدر ما يدرك منه وهو لا يحيط به علمه فلا يصل إلى غاية البلاغة فيه بيانه ، وإذا أنبأ عن الماضي فبقدر ما بقي من ناقص علمه به كائناً في ذكره لما لزم الإنسان من نسيانه ، وإذا أراد أن ينبئ عن الآتي أعوزه البيان كله إلا ما يقدّره أو يزوّره ؛ فبيانه في الكائن ناقص وبيانه في الماضي أنقص وبيانه في الآتي ساقط
77 ( ) بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ( ) 7
[ القيامة : 5 ] وبيان الله سبحانه عن الكائن بالغ إلى غاية