كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 1)
صفحة رقم 85
حكمه الرفع .
وقال الحرالي : لما جعل الله تعالى نور العقل هادياً لآيات ما ظهر في الكون وكان من الخلق مهتد به ومعرض عنه بعث الله النبيين مبشرين لمن اهتدى بنور العقل بمقتضى الآيات المحسوسة وتلك هي الحنيفية والملة الإبراهيمية ، ومنذرين لمن أعرض عن ذلك وشغلته شهوات دنياه ، فترتب لذلك خطاب الكتاب بين ما يخاطب به الأعلين المهتدين وبين ما يخاطب به الأدنين المعرضين ، وكذلك تفاوت الخطاب بين ما يخاطب به الأئمة المهتدين والمؤتّمون بهم ، فكان أعلى الخطاب ما يقبل على إمام الأئمة وسيد السادات وأحظى خلق الله عند الله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
فكان أول الخطاب ب المَ ذلك الكتاب إقبالاً عليه وإيتاء له من الذكر الأول كما قال عليه السلام : ( أوتيت البقرة وآل عمران من الذكر الأول ) وهو أول مكتوب حين كان الله ولا شيء معه ، وكتب في الذكر الأول كل شيء ، فخاطبه الله عز وجل بما في الذكر الأول وأنزله قرآناً ليكون آخر المنزل الخاتم هو أول الذكر السابق ليكون الآخر الأول في كتابه كما هو في ذاته ، فمن حيث كان الخطاب الأول من أعلى خطاب الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) انتظم به ما هو أدنى خطاب من آيات الدعوة تنبيهاً لمن أعرض عن الاستضاءة بنور العقل لما بين الطرفين من تناسب التقابل ؛ ثم عاد وجه الخطاب إليه ( صلى الله عليه وسلم ) بما هو إعلام بغائب الماضي عن كائن الوقت من أمر ابتداء مفاوضة الحق ملائكته في خلق آدم ليكون ذلك ترغيباً للمبشرين في علو الرتب إلى التكامل كما كانت آية الدعوة تنبيهاً للمعرضين ليعودوا إلى الإقبال ، وخصوص الإنزال إنما هو في الإنباء بغيب الكون من ملكوته وغائب أيام الله الماضية ومنتظر أيام الله الآتية ، فذلك الذي يخص المهتدين بنور العقل ليترقوا من حد الإيمان إلى رتبة اليقين ، وإنما يرد التنبيه والتنزيل بما في نور العقل هدايته من أجل المعرضين ؛ فكان ما شمله التنزيل بذلك أربعة أمور : أحدها التنبيه على الآيات بمقتضى أسماء الله من اسمه الملك إلى اسمه الرحمن الرحيم إلى اسمه رب العالمين إلى اسمه العظيم الذي هو الله ، والثاني التنبيه على غائب المنتظر الذي الخلق صائرون إليه ترغيباً وترهيباً ،