كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 1)

ترونهم يغرقون ويجوز أن يكون: (وأنتم تنظرون) أي وأنتم مشاهدون
تَعلمون ذلك، وإن شغلهم عن أن يروه في ذلك الوقت شاغل يقال مِنْ
ذلك: دُور آل فلان تنظر إلى دور بني فلان، أي هي بإزائها والدُّور يعلم أنها لا تبصر شيئاً.
* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)
ويقرأ: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى) وكلاهما جائز (حسن) واختار جماعة من
أهل اللغة، وإذ وعدنا بغير ألف:
وقالوا: إنما اخترنا هذا لأن المواعدة إنما تكون لغير الآدميين، فاختاروا
(وعدنا) وقالوا دليلنا قوله عزَّ وجلَّ (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) وما أشبه
هذا وهذا الذي ذكروه ليس مثل هذا وواعدنا هنا جيد بالغ، لأن الطاعة في
القبول بمنزلة المواعدة، فهو من اللَّه عزَّ وجلَّ وعدٌ ومن موسى قبول واتًبَاعٌ
فجرى مجرى المواعدة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ).
ذكرهم بكفر آبائهم مع هذه الآيات العظام، وأعْلمهم أن كفرهم
بالنبي ي مع وضوح أمره وما وقفوا عليه من خبره في كتبهم ككفر آبائهمْ.
وكان في ذكر هذه الأقاصيص دلالة على تثبيت نُبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن هذه الأقاصيص ليست من علوم العرب، وإنما هى من علوم أهل الكتاب، فأنبأهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما في كتبهم، وقد علموا أنه منْ العرب الذين لم يقرأوا كتبهم،

الصفحة 133