كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 1)

نَصْبُ كلما كَنَصْبِ سائر الظروف، ومعنى استكبرتم أنِفْتم وتعظمْتم من
أن تكونوا أتباعاً، لأنهم كانت لَهم رياسة، وكانوا متبوعين فآثروا الدنيَا على
الآخرة.
* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)
تقرأ على وجهين غُلْف وغُلُف، وأجود القراءَتين غلْف بإسكانِ اللام لأن
له شاهدا من القرآن ومعنى غلْفٌ ذَواتُ غُلف، الواحد منها أغْلَف وغُلْف
مثل أحْمَر وحُمْر، فكأنهم قالوا قلوبنا في أوعية، والدليل على ذلك قوله:
(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ)
ومن قرأ (غُلُف) فهو جمع غِلاف وغُلُف، مِثْل مِثال ومُثُل، وحِمار وحُمُر، فيكون معنى هذا: إن قلوَبنا أوعية لِلعلم، والأول أشبه ويجوز أن تُسَكن غُلُف فَيقال غُلْف كما يقال في جمع مثال مُثْل.
فأعلم اللَّه عزَّ وجلَّ أن الأمر على خلاف ما قالوا فقال: (بَلْ لعَنَهُمُ اللَّه بِكفرهَم).
معنى لعنهم في اللغة أبْعدهم، فالتأويل - واللَّه أعلم - بل طبع اللَّهُ على
قلوبهم كما قال: (ختم اللَّه على قلوبهم) ثم أخبر عزَّ وجلَّ أن ذلك مجازاةٌ
منه لهم على كفرهم فقال (بل لعنهم اللَّه بكفرهم)، واللعن كما وصفنا الإبعاد.
قال الشَّمَّاخ:
وماءٍ قد وردت لوَصْل أرْوى. . . عليه الطير كالورق اللَّجين

الصفحة 169