كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 1)

وقوله عزَّ وجلَّ: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)
بئس إذا وقعت على " ما " جُعِلت معها بمنزلة اسم منكور، وإنما ذلك في
نعم وبئس لأنهما لا يعملان في اسم علم، إنما يعملان في اسم منكور دال على جنس، أو اسم فيه ألف ولام يدل على جنس، وإنما كانتا كذلك لأن نعم مستوفية لجميع المدح، وبئس مُسْتوفية لجميع الذم، فإذا قلت نعم الرجل زيد فقد استحق زيد المدح الذي يكون في سائر جنسه.
قال أبو إسحاق وفي نِعْم الرجلُ زيد أربع لغات نَعِم الرجل زيد، ونعِمَ الرجل زيد، وبعْم الرجل زيد، ونَحْمَ الرجل زيد، وكذلك إذا قلت بئس الرجل، دلَلْتَ على أنه استوفى الذم الذي يكون في سائر جنسه، فلم يجز إذ كان يستوفى مدح الأجناس أن يعمل في غير لفظ جنس، فإذا كان معها اسمُ جنس بغير ألف ولام فهو نصْبٌ أبداً، وإذا كانت فيه الألف واللام فهو رفْع أبداً، وذلك كقولك نِعْم رجُلاً زَيْد، ونعم الرجُل زيد، فلما نصب رجل فعلى التمييز، وفي نعم اسم مضمر على شريطة التفسير، وزيد مبين مَنْ هذا الممدوح، لأنك إذا قلت نعم الرجل لم يعلم من تعني، فقولك زيد تريد به هذا الممدوح هو زيد.
وقال سيبويه والخليل جميعَ ما قلنا في نعم وبئس، وقالا إِنْ شئتَ رفعت
زيداً لأنه ابتداءٌ مَؤخَّر. كأنك قلت حين قلت نعم رجلًا زيد، نعم زيد نعم الرجل، وكذلك كانت " ما " في نعم بغير صلة لأن الصلة توضح وتخصص، والقصد فىِ نعم أن يليها اسم منكورٌ أو جنس، فقوله (بئْسما اشْتَرَوْا به أنفسهم) بئس شيئاً اشتروا به أنفسهم.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ).
موضعه رفع: المعنى ذلك الشيءُ المذموم أن يكفروا بما أنزل اللَّه.

الصفحة 172