كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 1)
أكْذَبَهُمُ اللَّهُ فى قولهم: (نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) فقال
(قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
أيْ أيُّ كتاب جُوّز فيه قتل نبي، وأي دين وإيمان جُوز فيه ذلك فإِن قال
قائل فَلِمَ قيل لهم فلم تقتلون أنبياءَ الله من قبل، وهؤُلاءِ لَمْ يَقْتُلُوا نبياً قط؟ قيل له قال أهل اللغة في هذا قولين: أحدهما إن الخطاب لمن شُوهِدَ من أهل مكةَ ومنْ غاب خطَابٌ واحد، فإذا قَتَل أسْلافُهم الأنبياءَ وهم مُقِيمُون على ذلك المذهب فقد شَرَكُوهم في قَتْلِهمْ، وقيل أيضاً لِمَ رَضيتمُ بذلك الفعل، وهذا القول الثاني يرجع إلى معنى الأول.
وإنما جاز أنْ يُذكر هنا لفظُ الاستقبال والمعنى
المضي لقوله (من قبل)
ودليل ذلك قوله (قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ) فقوله: (فلم تَقتلون) بمنزلة " فلم قتلتم).
وقيل في قوله: (إِنْ كُنتم مؤمنين) قولان: أحدهما ما كنتم مؤمنين وقيلَ
إِنَّ إِيمانكم ليس بإيمان.
والإيمان ههنا واقع على أصل العقد والدين، فقيل
لهم ليس إيمان إيماناً إذَا كان يَدْعُو إلى قتل الأنبياءِ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
قد بيَّنَّاه فيما مضى.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ).
معناه سُقُوا حبَّ العجل، فحذف حب وأقيم العجل مقامه.
كما قال الشاعر:
وكيف تواصل من أصبحت. . . خلالته كأبي مرحب
الصفحة 175
531