كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 1)

ساعتهم، فالدليل على علمهم بأن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حق أنهم كَفُوا عن التَمني ولم يُقْدِم واحد منهم عليه فيكون إقْدامُه دفعاَ لقوله: (ولَنْ يتَمنَوْه أبداً).
أو يعيش بعد التمني فيكون قد ردَّ ما جاءَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فالحمد للَّهِ الذي أوضَح الحق وبيَّنَه، وقَمع الباطل وأزْهقه.
* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
يعني - ما قدمت من كفرهِمْ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنِهم كفروا وهم يعلمون أنه حق وأنهم إنْ تَمَنَوْه ماتوا، ودليل ذلك إمْسَاكُهُمْ عَن تَمنَيه
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (واللَّهُ عَلِيمٌ بالظَّالِمِينَ).
اللَّه عزَّ وجلَّ عليم بالظالمين وغير الظالمين، وانًما الفائدة ههُنا إنَّه عليم
بمجازاتهم -، وهذا جرى في كلام الناس المستعمل بينهم إذَا أقبل الرجل على رجل قد أتى إليه منكراً، قال أنا أعرفك، وأنا بصير بك، تأويله أنا أعلم ما أعاملك به وأستعمله معك.
فالمعنى إنه عليم بهم - وبصير بما يعملون، أي يجازيهم عليه بالقتل في الدنيا أو بالذلَّة والمسكنة وأداءِ الجِزية، ونصب (لن) كما تنصب (أن) وقد شرحْنا نصبها فيما مضى وذكرنا ما قاله النحويون فيه.
ونصب (أبداً) لأنه ظرف من الزمان، المعنى: لن يَتَمَنوهُ في طول عُمرهم إِلى
موتهم، وكذلك قولك: لا أكلمك أبداً، المعنى لا أكلمك ما عشت. ومعنى (بما قدمت أيديهم) أي بما تقدمه أيديهم. ويصلح أن يكون بالذي قدمته أيديهم.
* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)
يعني به علماءَ إليهود هؤلاءِ، المعنى أنك تجدهم في حال دعائهمْ إلى تمنى

الصفحة 177