كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 1)

(إنَّ) تنصب الذين، وهي تنصب الأسماءَ وترفع الأخبار، ومعناها في
الكلام التوكيد، وهي آلة من آلات القسم، وإنَّما نصبت ورفعت لأنها تشبه
بالفعل، وشبهها به أنها لا تَلِي الأفعال ولا تعمَل فيها، وإنما يذكر بعدها
الاسم والخبر كما يذكر بعد الفعل الفاعل والمفعول إِلا أنه قُدم المفَعُولُ به
فيهَا ليفصل بين ما يشبه بالفعل ولفظه لفظُ الفعل وبين ما يُشَبه به وليسَ لفظُه
لفظَ الفعل، وخبرها ههنا جملة الكلام، أعني قوله:
(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ).
وترفع سواء بالابتداء، وتقوم (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) مَقَامَْ الخبر كأنه
بمنزلة قولك سواء عليهم الإنذارُ وتركُه.
وسواءُ موضُوع موضعَ مُسْتَو، لأنك لا تقيم المصادر مقام أسماءِ الفاعلين إلا وتأويلها تأويل أسمائهم.
فأما دخول ألف الاستفهام ودخول أم التي للاستفهام والكلام خَبرٌ فإنَّمَا
وقع ذلك لمعنى التسوية والتسوية آلتها ألف الاستفهام وأم تقول: أزيد في
الدار أم عمرو، فإِنما دخلت الألف وأم لأن عِلْمَك قد استوى فيَ زَيد وعَمْرو.
وقد علمت أن أحدهما في الدار لا محالة ولكنك أردت أن تبين لك الذي
علمت ويخلص لك علمه مز، غيره، فَلِهذا تقول: قد علمتُ أزيد في الدار أم عمرو، وإنما تريد أن تُسَوّي عند مغ تخبره العلمَ الذي قد خلص عندك.
وكذلك (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم)، دخلت الألف وأم للتسوية.
فأما (أأنْذرْتهُمْ) فزعم سيبويه أن من العرب من يحقق الهمزة، ولا
يجمع بين الهمزتين وإن كانتا من كلمتين، فأما أهل الحجاز فلا يحققون
واحدة منهما، وأما بعض القراء - ابن أبي إِسحاق وغيره - فيجمعون في القراءَة بينهما، فيقرأون (أأنذرتهم)، وكثير من القراء يخفِّف إِحداهما، وزعم سيبويه أن

الصفحة 77