كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 1)

قسّ الطيور الساجعات بلاغة ... وفصاحة من منطق وبيان.
فإذا أتيح لها الكلام تكلّمت ... بخرير ماء دائم الهملان.
وكأنّ صانعها استبدّ بصنعة ... فخر الجماد بها على الحيوان!
أوفت على حوض لها فكأنّها ... منها إلى العجب العجاب روان.
وكأنّها ظنّت حلاوة مائها ... شهدا، فذاقته بكلّ لسان.
وزرافة فى الجوّ من أنبوبها ... ماء يريك الجرى فى الطّيران.
مركوزة كالرّمح حيث ترى له ... من طعنه الحلق انعطاف سنان.
وكأنّما ترمى السماء ببندق ... مستنبط من لؤلؤ وجمان!
لو عاد ذاك الماء نفطا، أحرقت ... فى الجوّ منه قميص كلّ عنان.
فى بركة قامت على حافاتها ... أسد تذلّ لعزّة السّلطان!
نزعت إلى ظلم النفوس نفوسها، ... فلذلك انتزعت من الأبدان.
وكأنّما الحيّات من أفواهها ... يطرحن أنفسهنّ فى غدران.
وكأنّما الحيتان إذ لم تخشها، ... أخذت من المنصور عهد أمان!
وقال آخر:
ولقد رأيت، وما رأيت كبركة ... فى الحسن ذات تدفّق وخرير!
عقدت لها أيدى المياه قناطرا ... من جوهر فى لجّة من نور!
وقال علىّ بن الجهم، يصف فوّارة:
وفوّارة ثارها فى السّماء، ... فليست تقصّر عن ثارها!
تراها اذا صعدت فى السّماء ... تعود الينا بأخبارها.
تردّ على المزن ما أنزلت ... على الأرض من صوب مدرارها!

الصفحة 287