كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 1)

وقال عبد الله بن عمرو: وأهل مصر أكرم الأعاجم كلّها، وأسمحهم يدا، وأفضلهم عنصرا، وأقربهم رحما بالعرب عامة وبقريش خاصّة.
وقال أيضا: لما خلق الله عز وجل آدم، مثّل له الدنيا: شرقها، وغربها، وسهلها، وجبلها، وأنهارها، وبحارها، وبناءها، وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك. فلما رأى مصر، رآها أرضا سهلة ذات نهر جار، مادّته من الجنة، تنحدر فيه البركة، ورأى جبلا من جبالها مكسوّا نورا لا يخلو من نظر الربّ عز وجل إليه بالرحمة. فى سفحه أشجار مثمرة، فروعها فى الجنة تسقى بماء الرحمة.
فدعا آدم فى النيل بالبركة، ودعا فى أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات. وقال: «يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة وتربتك مسكة تدفن فيها عرائس الجنة، أرض حافظة مطبقة رحيمة. لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعزّ، يا أرض مصر فيك الخباء والكنوز، ولك البر والثّروة، سال نهرك عسلا. كثّر الله زرعك، ودرّ ضرعك، وزكا نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك يا مصر خير ما لم تتجبّرى وتتكبّرى أو تخونى، فاذ فعلت ذلك، عراك شرّ، ثم تغوّر خيرك» .
فكان آدم أوّل من دعا لها بالخصب والرحمة والرأفة والبركة.
وقال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما: دعا نوح عليه السلام لابن ابنه بيصر ابن حام وهو أبو مصر، فقال: اللهم إنه قد أجاب دعوتى، فبارك فيه وفى ذرّيته وأسكنه الأرض الطيبة لمباركة التى هى أمّ البلاد.
قال عبد الله بن عمرو: لما قّسم نوح عليه السلام الأرض بين ولده، جعل لحام مصر وسواحلها والمغرب وشاطئ النيل. فلما دخل بيصر بن حام وبلغ العريش،

الصفحة 347