كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 1)

وأهل البصرة يتخذون المظلّات على التمر والعجوة خوفا عليها من الخفّاش. ومن عادة الذباب الفرار من الشمس إلى الظلّ، فلا يوجد فى تلك الظلال شىء منه البتة.
فيتوهم المتوهّم أن هاتين الحالتين من طلّسم، له من الخاصية ما يمنع الغربان والذباب.
وليس كذلك، وإنما هو من حماية الله ووقايته.
ووصف خالد بن صفوان البصرة، فقال: منابتها قصب، وأنهارها عجب، وسماؤها رطب، وأرضها ذهب.
وفي الكوفة عدم الوفاء.
وأما بغداد وما اختصت به
فإنه يقال: إنها جنة الأرض، ومجتمع الوافدين: دجلة والفرات، وواسطة الدنيا، ومدينة السلام، وقبة الإسلام، لأنها غرّة البلاد، ودار السلام والخلافة، ومجمع الطّرائف والطيبات، ومعدن المحاسن واللطائف، وبها أرباب النّهايات فى كل فن، وآحاد الدهر فى كل نوع.
وكان أبو إسحاق الزجّاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا، وما عداها بادية.
وكان أبو الفضل بن العميد اذا طرأ عليه أحد وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد. فان فطن لفضائلها وخواصّها، جعل ذلك مقدّمة فضله وعنوان عقله.
وقال ابن زريق الكوفىّ، الكاتب:
سافرت أبغى لبغداد وساكنها ... مثلا، فحاولت شيئا دونه الياس.
هيهات! بغداد الدنيا بأجمعها ... عندى، وسكّان بغداد هم الناس.

الصفحة 360