كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 1)

على المشى في الزّلّاقة لئلا يزلق، وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيدة القعر. ويقال إن أسفل البئر أبواب يدخل منها إلى مواضع كثيرة وبيوت ومخادع وعجائب.
وانتهت بهم الزّلّاقة إلى موضع مربّع في وسطه حوض من حجر صلد مغطّى. فلما كشف عنه غطاؤه، لم يوجد فيه إلا رمّة بالية. فأمر المأمون بالكف عما سواه.
وهذا الموضع يدخله الناس إلى وقتنا هذا.
وسنذكر إن شاء الله تعالى خبر الأهرام عند ذكرنا لأخبار ملوك مصر الذين كانوا قبل الطوفان وبعده، وذلك في الباب الثانى من القسم الرابع من الفن الخامس، وهو في السفر الثانى عشر من هذه النسخة من كتابنا هذا فتأمله هناك.
وقال بعض أهل النظر، وقد عاين الأهرام: «كلّ بناء يخاف عليه من الدّهر، إلا هذا البناء فإنى أخاف على الدّهر منه» .
ونظم عمارة اليمنىّ هذا القول، فقال:
خليلىّ، ما تحت السماء بنيّة ... تماثل في إتقانها هرمى مصر!
بناء يخاف الدّهر منه، وكلّ ما ... على ظاهر الدنيا يخاف من الدّهر!
تنزّه طرفى في بديع بنائها، ... ولم يتنزّه في المراد بها فكرى.
وقال بعض الشعراء:
حسرت عقول ذوى النّهى الأهرام، ... واستصغرت لعظيمها الأعلام.
ملس منيّفة البناء شواهق، ... قصرت لعال دونهنّ سهام!
لم أدر حين كبا التفكّر دونها ... واستبهمت لعجيبها الأوهام،
أقبور أملاك الأعاجم هنّ، أم ... طلّسم رمل هنّ، أم أعلام؟

الصفحة 390