كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 1)

المنارة وأزال المرآة، ثم فطن الناس أنها مكيدة، فاستشعر ذلك فهرب فى مركب كانت معدّة له. ثم بنى ما هدم بالجص والآجرّ.
ثم قال المسعودىّ: وطول المنارة فى هذا الوقت (يعنى الوقت الذى وضع فيه كتابه، وهو سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة مائتان وثلاثون ذراعا. وكان طولها قديما نحوا من أربعمائة ذراع.
وهى فى عصرنا هذا ثلاثة أشكال: فمنها تقدير الثلث مربع مبنىّ بالحجارة، ثم بعد ذلك بناء مثمّن الشكل بالآجرّ والجص نحو ستين ذراعا، وأعلاها مدوّر الشكل.
ويقال إن أحمد بن طولون بنى فى أعلاها قبة من الخشب فهدمتها الرياح. فبنى فى مكانها مسجدا فى الدولة الظاهرية الركنية بيبرس صاحب مصر رحمه الله تعالى.
ثم هدم فى ذى الحجة سنة اثنتين وسبعمائة بسبب الزّلزلة الحادثة. ثم بنى فى شهور سنة ثلاث وسبعمائة فى دولة السلطان الملك الناصر ولد السلطان الملك المنصور، ثبت الله دولته، وكان المندوب لذلك الأمير ركن الدين بيبرس الدّوادار المنصورىّ، نائب السلطنة الشريفة فى الغيبة.
وقد وصف الشعراء منارة الإسكندرية.
فمن ذلك ما قاله الوجيه الدروىّ:
وسامية الأرجاء تهدى أخا السّرى ... ضياء، إذا ما حندس الليل أظلما.
لبست لها بردا من الأنس ضافيا ... فكان بتذكار الأحبّة معلما.
وقد ظلّلتنى من ذراها بقبّة ... ألاحظ فيها من صحابى أنجما.
فخيّلت أنّ البحر تحتى غمامة ... وأنّى قد خيّمت فى كبد السّما!

الصفحة 397