كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 1)

كم من قصور للملوك تقدّمت ... فاستوجبت بقصورك التأخيرا.
فعمرتها وملكت كلّ رياسة ... منها، ودمّرت العدا تدميرا.
وقال عمارة اليمنىّ، يصف دارا بناها فارس الإسلام من أبيات:
فتملّ دارا شيّدتها همّة، ... يغدو العسير بأمرها متيسّرا.
فاقت على الإطلاق كلّ بنيّة، ... وسمت بسعدك عزّة وتكبّرا.
أنشأت فيها للعيون بدائعا ... دقّت، فأذهل حسنها من أبصرا.
فمن الرّخام: مسيّرا، ومسهّما، ... ومنمنمّا، ومدرهما، ومدنّرا.
وسقيت من ذوب النّضار سقوفها ... حتّى يكاد نضارها أن يقطر.
لم يبق نوع صامت أو ناطق ... إلا غدا فيها الجميع مصوّر.
فيها حدائق لم تجدها ديمة، ... كلّا ولا نبتت على وجه الثّرى.
لم يبد فيها الروض إلا مزهرا، ... والنخل والرّمان إلا مثمرا.
والطّير مذ وقعت على أغصانها ... وثمارها، لم تستطع أن تنفرا.
وبها من الحيوان كلّ مشبّه [1] ... لبس الحرير العبقرىّ مصوّرا.
لا تعدم الأبصار بين مروجها ... ليثا ولا ظبيا بوجرة أعفرا.
أنست نوافر وحشها لسباعها: ... فظباؤها لا تتّقى أسد الشّرى.
وكأنّ صولتك المخيفة أمّنت ... أسرابها أن لا تخاف فتذعرا.
وبها زرافات كأنّ رقابها ... فى الطّول ألوية تؤمّ العسكرا.
نوبيّة المنشا تريك من المها ... روقا، ومن بزل المهارى مشفرا.
جبلت على الإقعاء من أعجازها، ... فتخالها في التّيه تمشى القهقرى!
__________
[1] فى الأصول «مسبهن» . ولعلها تصحيف.

الصفحة 410