كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

في الغسل وخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنه غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى كذلك ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ثم غسل اليسرى كذلك ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. وهو حجة لقول من أوجب إدخالها في الغسل لأنه إذا تردد اللفظ بين المعنيين على السواء وجب أن لا يصار إلى أحد المعنيين إلا بدليل وإن كانت إلى في كلام العرب أظهر في معنى الغاية منها في معنى مع وكذلك اسم اليد أظهر فيما دون العضد منه فيما فوق العضد فقول من لم يدخلها من جهة الدلالة اللفظية أرجح وقول من أدخلها من جهة هذا الأثر أبين إلا أن يحمل هذا الأثر على الندب والمسألة محتملة كما ترى. وقد قال قوم: إن الغاية إذا كانت من جنس ذي الغاية دخلت فيه وإن لم تكن من جنسه لم تدخل فيه.
المسألة السادسة من التحديد : اتفق العلماء على أن مسح الرأس من فروض الوضوء واختلفوا في القدر المجزئ منه. فذهب مالك إلى أن الواجب مسحه كله وذهب الشافعي وبعض أصحاب مالك وأبو حنيفة إلى أن مسح بعضه هو الفرض ومن أصحاب مالك من حد هذا البعض بالثلث ومنهم من حده بالثلثين. وأما أبو حنيفة فحده بالربع وحد مع هذا القدر من اليد الذي يكون به المسح فقال: إن مسحه بأقل من ثلاثة أصابع لم يجزه. وأما الشافعي فلم يحد في الماسح ولا في الممسوح حدا. وأصل هذا الاختلاف الاشتراك الذي في الباء في كلام العرب وذلك أنها مرة تكون زائدة مثل قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} على قراءة من قرأ تنبت بضم التاء وكسر الباء من أنبت ومرة تدل على التبعيض مثل قول القائل: أخذت بثوبه وبعضده ولا معنى لإنكار هذا في كلام العرب أعني كون الباء مبعضة وهو قول الكوفيين من النحويين فمن رآها زائدة أوجب مسح الرأس كله ومعنى الزائدة ها هنا كونها مؤكدة ومن رآها مبعضة أوجب مسح بعضه وقد احتج من رجح هذا المفهوم بحديث المغيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ فمسح بناصيته وعلى يباع خرجه مسلم. وإن سلمنا أن الباء زائدة بقي ها هنا أيضا احتمال آخر وهو هل الواجب الأخذ بأوائل الأسماء أو بأواخرها

الصفحة 12