كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

أنه عليه الصلاة والسلام مسح بناصيته وعلى يباع وقياسا على الخف ولذلك اشترط أكثرهم لبسها على طهارة وهذا الحديث إنما رده من رده إما لأنه لم يصح عنده وإما لأن ظاهر الكتاب عارضه عنده أعني الأمر فيه بمسح الرأس وإما لأنه لم يشتهر العمل به عند من يشترط اشتهار العمل فيما نقل من طريق الآحاد وبخاصة في المدينة على المعلوم من مذهب مالك أنه يرى اشتهار العمل وهو حديث خرجه مسلم وقال فيه أبو عمر بن عبد البر إنه حديث معلول وفي بعض الإشارة أنه مسح على يباع ولم يذكر الناصية ولذلك لم يشترط بعض العلماء في المسح على يباع المسح على الناصية إذ لا يجتمع الأصل والبدل في فعل واحد.
المسألة التاسعة من الأركان : اختلفوا في مسح الأذنين هل هو سنة أو فريضة وهل يجدد لهما الماء أم لا؟ فذهب بعض الناس إلى أنه فريضة وأنه يجدد لهما الماء وممن قال بهذا القول جماعة من أصحاب مالك ويتأولون مع هذا أنه مذهب مالك لقوله فيهما إنهما من الرأس. وقال أبو حنيفة وأصحابه مسحهما فرض كذلك1 إلا أنهما يمسحان مع الرأس بماء واحد. وقال الشافعي مسحهما سنة ويجدد لهما الماء. وقال بهذا القول جماعة أيضا من أصحاب مالك ويتأولون أيضا أنه قوله لما روي عنه أنه قال حكم مسحهما حكم المضمضة وأصل اختلافهم في كون مسحهما سنة أو فرضا اختلافهم في الآثار الواردة بذلك أعني مسحه عليه الصلاة والسلام اليسرى هل هي زيادة على ما في الكتاب من مسح الرأس فيكون حكمهما أن يحمل على الندب لمكان التعارض الذي يتخيل بينها وبين الآية إن حملت على الوجوب أم هي مبينة للمجمل الذي في الكتاب فيكون حكمهما حكم الرأس في الوجوب فمن أوجبهما جعلها مبينة لمجمل الكتاب ومن لم يوجبهما جعلها زائدة كالمضمضة والآثار الواردة بذلك كثيرة وإن كانت لم تثبت في الصحيحين فهي قد اشتهر العمل بها. وأما اختلافهم في تجديد الماء لهما فسببه تردد الأذنين بين أن يكونا عضوا مفردا بذاته من أعضاء الوضوء أو يكونا جزءا من الرأس. وقد شذ قوم فذهبوا إلى أنهما يغسلان مع الوجه وذهب آخرون إلى أنه يمسح باطنهما مع الرأس
ـــــــ
1 انظر هذا, فإن المقرر في مذهب أبي حنيفة أن مسحهما سنة لا فرض.

الصفحة 14