كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

ويغسل ظاهرهما مع الوجه وذلك لتردد هذا العضو بين أن يكون جزءا من الوجه أو جزءا من الرأس وهذا لا معنى له مع اشتهار الآثار في ذلك بالمسح واشتهار العمل به. والشافعي يستحب فيهما التكرار كما يستحبه في مسح الرأس.
المسألة العاشرة : اتفق العلماء على أن الرجلين من أعضاء الوضوء واختلفوا في نوع طهارتهما فقال قوم: طهارتهما الغسل وهم الجمهور وقال قوم: فرضهما المسح وقال قوم: بل طهارتهما تجوز بالنوعين: الغسل والمسح وإن ذلك راجع إلى اختيار المكلف وسبب اختلافهم القراءتان المشهورتان في آية الوضوء: أعني قراءة من قرأ وأرجلكم بالنصب عطفا على المغسول وقراءة من قرأ وأرجلكم بالخفض عطفا على الممسوح وذلك أن قراءة النصب ظاهرة في الغسل وقراءة الخفض ظاهرة في المسح كظهور تلك في الغسل فمن ذهب إلى أن فرضهما واحد من هاتين الطهارتين على التعيين إما الغسل وإما المسح ذهب إلى ترجيح ظاهر إحدى القراءتين على القراءة الثانية وصرف بالتأويل ظاهر القراءة الثانية إلى معنى ظاهر القراءة التي ترجحت عنده ومن اعتقد أن دلالة كل واحدة من القراءتين على ظاهرها على السواء وأنه ليست إحداهما على ظاهرها أدل من الثانية على ظاهرها أيضا جعل ذلك من الواجب المخير ككفارة اليمين وغير ذلك وبه قال الطبري وداود. وللجمهور تأويلات في قراءة الخفض أجودها أن ذلك عطف على اللفظ لا على المعنى إذ كان ذلك موجودا في كلام العرب مثل قول الشاعر:
لعب الزمان بها وغيرها ... بعدي سوا في المحور والقطر
بالخفض ولو عطف على المعنى لرفع القطر.
وأما الفريق الثاني وهم الذين أوجبوا المسح فإنهم تأولوا قراءة النصب على أنها عطف على الموضع كما قال الشاعر:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وقد رجح الجمهور قراءتهم هذه بالثابت عنه عليه الصلاة والسلام إذ قال في قوم لم يستوفوا غسل أقدامهم في الوضوء: "ويل للأعقاب من النار" قالوا فهذا يدل على أن الغسل هو الفرض لأن الواجب هو الذي يتعلق بتركه العقاب وهذا ليس فيه حجة لأنه إنما وقع الوعيد على أنهم تركوا

الصفحة 15