كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

في مسحه عليه الصلاة والسلام إنما كانت في السفر مع أن السفر مشعر بالرخصة والتخفيف والمسح على الخفين هو من باب التخفيف فإن نزعه على المسافر.
المسألة الثانية : وأما تحديد المحل فاختلف فيه أيضا فقهاء الأمصار فقال قوم: إن الواجب من ذلك مسح أعلى الخف وأن مسح الباطن أعني أسفل الخف مستحب ومالك أحد من رأى هذا والشافعي ومنهم من أوجب مسح ظهورهما وبطونهما وهو مذهب ابن نافع من أصحاب مالك ومنهم من أوجب مسح الظهور فقط ولم يستحب مسح البطون وهو مذهب أبي حنيفة وداود وسفيان وجماعة وشذ أشهب فقال: إن الواجب مسح الباطن أو الأعلى أيهما مسح1 وسبب اختلافهم تعارض الآثار الواردة في ذلك وتشبيه المسح بالغسل وذلك أن في ذلك أثرين متعارضين: أحدهما حديث المغيرة بن شعبة وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وباطنه والآخر حديث علي لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه فمن ذهب مذهب الجمع بين الحديثين حمل حديث المغيرة على الاستحباب وحديث علي على الوجوب وهي طريقة حسنة. ومن ذهب مذهب الترجيح أخذ إما بحديث علي وإما بحديث المغيرة فمن رجح حديث المغيرة على حديث علي رجحه من قبل القياس أعني قياس المسح على الغسل ومن رجح حديث علي رجحه من قبل مخالفته للقياس أو من جهة السند والأسد في هذه المسألة هو مالك. وأما من أجاز الاقتصار على مسح الباطن فقط فلا أعلم له حجة لأنه لا هذا الأثر اتبع ولا هذا القياس استعمل أعني قياس المسح على الغسل.
المسألة الثالثة : وأما نوع محل المسح فإن الفقهاء القائلين بالمسح اتفقوا على جواز المسح على الخفين واختلفوا في المسح على الجوربين فأجاز ذلك قوم ومنعه قوم وممن منع ذلك مالك والشافعي وأبو حنيفة وممن أجاز ذلك أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وسفيان الثوري. وسبب اختلافهم
ـــــــ
1 نسخة فاس: والأعلى مستحب.

الصفحة 19