المسألة الأولى : اختلفوا في الماء إذا خالطته نجاسة ولم تغير أحد أوصافه فقال قوم: هو طاهر سواء أكان كثيرا أو قليلا وهي إحدى الروايات عن مالك وبه قال أهل الظاهر وقال قوم: بالفرق بين القليل والكثير فقالوا إن كان قليلا كان نجسا وإن كان كثيرا لم يكن نجسا. وهؤلاء اختلفوا في الحد بين القليل والكثير فذهب أبو حنيفة إلى أن الحد في هذا هو أن يكون الماء من الكثرة بحيث إذا حركه آدمي من أحد طرفيه لم تسر الحركة إلى الطرف الثاني منه. وذهب الشافعي إلى أن الحد في ذلك هو قلتان من قلال هجر وذلك نحو من خمسمائة رطل ومنهم من لم يحد في ذلك حدا ولكن قال: إن النجاسة تفسد قليل الماء وإن لم تغير أحد أوصافه وهذا أيضا مروي عن مالك وقد روي أيضا أن هذا الماء مكروه فيتحصل عن مالك في الماء اليسير تحله النجاسة اليسيرة ثلاثة أقوال: قول إن النجاسة تفسده وقول إنها لا تفسده إلا أن يتغير أحد أوصافه وقول إنه مكروه. وسبب اختلافهم في ذلك هو تعارض ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك وذلك أن حديث أبي هريرة المتقدم وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا استيقظ أحدكم من نومه" الحديث يفهم من ظاهره أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء. وكذلك أيضا حديث أبي هريرة الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه" فإنه يوهم بظاهره أيضا أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء. وكذلك ما ورد من النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم. وأما حديث أنس الثابت أن أعرابيا قام إلى ناحية من المسجد فبال فيها فصاح به الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه" فلما فرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنوب ماء فصب على بوله فظاهره أن قليل النجاسة لا يفسد قليل الماء إذ معلوم أن ذلك الموضع قد طهر من ذلك الذنوب. وحديث أبي سعيد الخدري كذلك أيضا خرجه أبو داود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: إنه يستقي من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلاب والمحائض وعذرة الناس فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الماء لا ينجسه