كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

واحد فكيفما قلنا فتأثير النسيان في إسقاط القضاء بين والله أعلم. وذلك أنا إن قلنا إن الأصل هو أن لا يلزم الناس قضاء حتى يدل الدليل على ذلك وجب أن يكون النسيان لا يوجب القضاء في الصوم إذ لا دليل ههنا على ذلك بخلاف الأمر في الصلاة وإن قلنا إن الأصل هو إيجاب القضاء حتى يدل الدليل على رفعه عن الناسي فقد دل الدليل في حديث أبي هريرة على رفعه عن الناسي اللهم إلا أن يقول قائل: إن الدليل الذي استثنى ناسي الصوم من ناسي سائر العبادات التي رفع عن تاركها الحرج بالنص هو قياس الصوم على الصلاة لكن إيجاب القضاء بالقياس فيه ضعف وإنما القضاء عند الأكثر واجب بأمر متجدد. وأما من أوجب القضاء والكفارة على المجامع ناسيا فضعيف فإن تأثير النسيان في إسقاط العقوبات بين في الشرع والكفارة من أنواع العقوبات وإنما أصارهم إلى ذلك أخذهم بمجمل الصفة المنقولة في الحديث أعني من أنه لم يذكر فيه أنه فعل ذلك عمدا ولا نسيانا لكن من أوجب الكفارة على قاتل الصيد نسيانا لم يحفظ أصله في هذا مع أن النص إنما جاء في المتعمد وقد كان يجب على أهل الظاهر أن يأخذوا بالمتفق عليه وهو إيجاب الكفارة على العامد إلى أن يدل الدليل على إيجابها على الناسي أو يأخذوا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" حتى يدل الدليل على التخصيص ولكن كلا الفريقين لم يلزم أصله وليس في مجمل ما نقل من حديث الأعرابي حجة. ومن قال من أهل الأصول إن ترك التفصيل في اختلاف الأحوال من الشارع بمنزلة العموم في الأقوال فضعيف فإن الشارع لم يحكم قط إلا على مفصل وإنما الإجمال في حقنا.
وأما المسألة الثالثة : وهو اختلافهم في وجوب الكفارة على المرأة إذا طاوعته على الجماع فإن أبا حنيفة وأصحابه ومالكا وأصحابه أوجبوا عليها الكفارة وقال الشافعي وداود: لا كفارة عليها. وسبب اختلافهم معارضة ظاهر الأثر للقياس وذلك أنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر المرأة في الحديث بكفارة والقياس أنها مثل الرجل إذ كان كلاهما مكلفا.
وأما المسألة الرابعة : وهي هل هذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار أو على التخيير وأعني بالترتيب أن لا ينتقل المكلف إلى واحد من الواجبات المخيرة

الصفحة 304