للمعتكف إلا الصلاة والقراءة. ومن فهم منه حبس النفس الأخروية كلها أجاز له غير ذلك مما ذكرناه. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: من اعتكف لا يرفث ولا يساب وليشهد الجمعة والجنازة ويوصي أهله إذا كانت له حاجة وهو قائم ولا يجلس. ذكره عبد الرزاق. وروي عن عائشة خلاف هذا وهو أن السنة للمعتكف أن لا يشهد جنازة ولا يعود مريضا وهذا أيضا أحد ما أوجب الاختلاف في هذا المعنى. وأما المواضع التي فيها يكون الاعتكاف فإنهم اختلفوا فيها فقال قوم: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة بيت الله الحرام وبيت المقدس ومسجد النبي عليه الصلاة والسلام وبه قال حذيفة و سعيد بن المسيب. وقال آخرون: الاعتكاف عام في كل مسجد وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وهو مشهور مذهب مالك. وقال آخرون: لا اعتكاف إلا في مسجد فيه جمعة وهي رواية ابن عبد الحكم عن مالك. وأجمع الكل على أن من شرط الاعتكاف المسجد إلا ما ذهب إليه ابن لبابة من أنه يصح في غير المسجد وأن مباشرة النساء إنما حرمت على المعتكف إذا اعتكف في المسجد وإلا ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن المرأة إنما تعتكف في مسجد بيتها. وسبب اختلافهم في اشتراط المسجد أو ترك اشتراطه هو الاحتمال الذي في قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} بين أن يكون له دليل خطاب أم لا يكون له؟ فمن قال له دليل خطاب قال: لا اعتكاف إلا في مسجد وإن من شرط الاعتكاف ترك المباشرة. ومن قال ليس له دليل خطاب قال: المفهوم منه أن الاعتكاف جائز في غير المسجد وأنه لا يمنع المباشرة لأن قائلا لو قال: لا تعط فلانا شيئا إذا كان داخلا في الدار لكن مفهوم دليل الخطاب يوجب أن تعطيه إذا كان خارج الدار ولكن هو قول شاذ. والجمهور على أن العكوف إنما أضيف إلى المساجد لأنها من شرطه. وأما سبب اختلافهم في تخصيص بعض المساجد أو تعميمها فمعارضة العموم للقياس المخصص له فمن رجح العموم قال: في كل مسجد على ظاهر الآية. ومن انقدح له تخصيص بعض المساجد من ذلك العموم بقياس اشترط أن يكون مسجدا فيه جمعة لئلا ينقطع عمل المعتكف بالخروج إلى الجمعة أو مسجدا تشد إليه المطي مثل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي وقع فيه اعتكافه ولم يقس سائر المساجد عليه إذا كانت غير